للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

الْمَذْهَبُ الثَّانِي: أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَقَضَى فِيهَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ بِالثَّلَاثِ فِي عَدِيِّ بْنِ قَيْسٍ الْكِلَابِيِّ وَقَالَ لَهُ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ مَسِسْتَهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَك لَأَرْجُمَنَّك، وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهَا لَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِالثَّلَاثِ، فَكَانَ وُقُوعُ الثَّلَاثِ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهَا حَرَامًا عَلَيْهِ.

الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: أَنَّهَا بِهَذَا الْقَوْلِ حَرَامٌ عَلَيْهِ، صَحَّ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ وَخِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَقَتَادَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَؤُلَاءِ طَلَاقًا، بَلْ أَمَرُوهُ بِاجْتِنَابِهَا فَقَطْ.

وَصَحَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ، أَوْ يَكُونَ أَرَادَ تَحْرِيمَ الثَّلَاثِ، وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ لَفْظَهُ إنَّمَا اقْتَضَى التَّحْرِيمَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِعَدَدِ الطَّلَاقِ؛ فَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى تَحْرِيمِهِ.

الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ: الْوَقْفُ فِيهَا، صَحَّ ذَلِكَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: يَقُولُ رِجَالٌ فِي " الْحَلَالُ حَرَامٌ " إنَّهَا حَرَامٌ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَيَنْسُبُونَهُ إلَى عَلِيٍّ، وَاَللَّهِ مَا قَالَ ذَلِكَ عَلِيٌّ، إنَّمَا قَالَ: مَا أَنَا بِمُحِلِّهَا وَلَا بِمُحَرِّمِهَا عَلَيْك، إنْ شِئْت فَتَقَدَّمْ وَإِنْ شِئْت فَتَأَخَّرْ. وَحُجَّةُ هَؤُلَاءِ أَنَّ التَّحْرِيمَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ السَّبَبِ الَّذِي يُحَرِّمُ بِهِ وَهُوَ الطَّلَاقُ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الطَّلَاقِ، وَلَا هُوَ مِمَّا ثَبَتَ لَهُ عُرْفُ الشَّرْعِ فِي تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ، فَاشْتَبَهَ الْأَمْرُ فِيهِ.

الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ: إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ، وَإِلَّا فَهُوَ يَمِينٌ، وَهَذَا قَوْلُ طَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ الْحَسَنِ، وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ، فَإِنْ نَوَاهُ بِهِ كَانَ طَلَاقًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ كَانَ يَمِينًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١] إلَى قَوْلِهِ: {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] .

الْمَذْهَبُ السَّادِسُ: أَنَّهُ إنْ نَوَى بِهَا الثَّلَاثَ فَثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ نَوَى يَمِينًا فَهُوَ يَمِينٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهِيَ كَذِبَةٌ لَا شَيْءَ فِيهَا، قَالَهُ سُفْيَانُ وَحَكَاهُ النَّخَعِيُّ عَنْ أَصْحَابِهِ، وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ لِمَا نَوَاهُ مِنْ ذَلِكَ فَيَتْبَعُ نِيَّتَهُ.

الْمَذْهَبُ السَّابِعُ: مِثْلُ هَذَا، إلَّا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهُوَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ ظَاهِرٌ قَوْله تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] فَإِذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا، فَإِذَا طَلَّقَ وَلَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ كَانَ يَمِينًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>