للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا آمَنَّا وَعَلِمَ اللَّهُ أَنَّ الْإِيمَانَ لَمْ يَدْخُلْ فِي قُلُوبِهِمْ لِمَا أَظْهَرُوا مِنْ الْإِسْلَامِ وَلَمَّا حَكَمَ فِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ عَلِمَ أَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا وَأَنَّهُمْ كَاذِبُونَ بِمَا أَظْهَرُوا مِنْ الْإِيمَانِ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، «وَقَالَ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ: أَبْصِرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَلَا أُرَاهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ إلَيْهَا سَبِيلًا؛ إذْ لَمْ تُقِرَّ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ» . وَأَبْطَلَ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا عَنْهُمَا اسْتِعْمَالَ الدَّلَالَةِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي الدُّنْيَا دَلَالَةٌ بَعْدَ دَلَالَةِ اللَّهِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالْأَعْرَابِ أَقْوَى مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ فِي امْرَأَةِ الْعَجْلَانِيُّ عَلَى أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ كَانَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَالْأَغْلَبُ عَلَى مَنْ «سَمِعَ الْفَزَارِيَّ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ وَعَرَّضَ بِالْقَذْفِ أَنَّهُ يُرِيدُ الْقَذْفَ ثُمَّ لَمْ يَحُدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» إذْ لَمْ يَكُنْ التَّعْرِيضُ ظَاهِرَ قَذْفٍ، فَلَمْ يَحْكُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِحُكْمِ الْقَذْفِ، وَالْأَغْلَبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ قَوْلَ رُكَانَةَ لِامْرَأَتِهِ: " أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ " أَنَّهُ قَدْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنَّ أَلْبَتَّةَ إرَادَةُ شَيْءٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِبْتَاتَ بِثَلَاثٍ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ ظَاهِرًا فِي قَوْلِهِ وَاحْتَمَلَ غَيْرَهُ لَمْ يَحْكُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا بِظَاهِرِ الطَّلَاقِ وَاحِدَةً.

فَمَنْ حَكَمَ عَلَى النَّاسِ بِخِلَافِ مَا ظَهَرَ عَلَيْهِمْ اسْتِدْلَالًا عَلَى أَنَّ مَا أَظْهَرُوا خِلَافُ مَا أَبْطَنُوا بِدَلَالَةٍ مِنْهُمْ أَوْ غَيْرِ دَلَالَةٍ لَمْ يَسْلَمْ عِنْدِي مِنْ خِلَافِ التَّنْزِيلِ وَالسُّنَّةِ، وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَنْ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ مِمَّنْ وَلَدَ عَلَيْهِ قَتَلْته وَلَمْ أَسْتَتِبْهُ، وَمَنْ رَجَعَ عَنْهُ مِمَّنْ لَمْ يُولَدْ عَلَيْهِ أَسْتَتِبْهُ، وَلَمْ يَحْكُمْ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ إلَّا حُكْمًا وَاحِدًا، وَمِثْلُهُ أَنْ يَقُولَ: مَنْ رَجَعَ عَنْ الْإِسْلَامِ مِمَّنْ أَظْهَرَ نَصْرَانِيَّةً أَوْ يَهُودِيَّةً أَوْ دِينًا يُظْهِرُهُ كَالْمَجُوسِيَّةِ أَسْتَتِبْهُ فَإِنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ قُبِلَتْ مِنْهُ، وَمَنْ رَجَعَ إلَى دِينٍ خُفْيَةً لَمْ أَسْتَتِبْهُ، وَكُلٌّ قَدْ بَدَّلَ دِينَ الْحَقِّ وَرَجَعَ إلَى الْكُفْرِ، فَكَيْفَ يُسْتَتَابُ بَعْضُهُمْ وَلَا يُسْتَتَابُ بَعْضٌ؟ فَإِنْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ تَوْبَةَ الَّذِي يُسِرُّ دِينَهُ؟ قِيلَ: وَلَا يَعْرِفُهَا إلَّا اللَّهُ، وَهَذَا - مَعَ خِلَافِهِ حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ رَسُولِهِ - كَلَامٌ مُحَالٌ، يُسْأَلُ مَنْ قَالَ هَذَا: هَلْ تَدْرِي لَعَلَّ الَّذِي كَانَ أَخْفَى الشِّرْكَ يُصَدَّقُ بِالتَّوْبَةِ وَاَلَّذِي كَانَ أَظْهَرَ الشِّرْكَ يُكَذَّبُ بِالتَّوْبَةِ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: فَتَدْرِي لَعَلَّك قَتَلْت الْمُؤْمِنَ الصَّادِقَ الْإِيمَانَ وَاسْتَحْيَيْت الْكَاذِبَ بِإِظْهَارِ الْإِيمَانِ؟ فَإِنْ قَالَ: لَيْسَ عَلَيَّ إلَّا الظَّاهِرُ، قِيلَ: فَالظَّاهِرُ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَقَدْ جَعَلْته اثْنَيْنِ بَعْلَةٍ مُحَالَةٍ، وَالْمُنَافِقُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُظْهِرُوا يَهُودِيَّةً وَلَا نَصْرَانِيَّةً وَلَا مَجُوسِيَّةً بَلْ كَانُوا يَسْتَسِرُّونَ بِدِينِهِمْ فَيُقْبَلُ مِنْهُمْ مَا يُظْهِرُونَ مِنْ الْإِيمَانِ، فَلَوْ كَانَ قَائِلَ هَذَا الْقَوْلِ حِينَ خَالَفَ السُّنَّةَ أَحْسَنَ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا لَهُ وَجْهٌ، وَلَكِنَّهُ يُخَالِفُهَا وَيَعْتَلُّ بِمَا لَا وَجْهَ لَهُ، كَأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّة لَا تَكُونُ إلَّا بِإِتْيَانِ الْكَنَائِسِ، أَرَأَيْت إنْ كَانُوا بِبِلَادٍ لَا كَنَائِسَ فِيهَا إمَّا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ فَتَخْفَى صَلَاتُهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ؟ قَالَ: وَمَا وَصَفْت مِنْ حُكْمِ اللَّهِ ثُمَّ حُكْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>