للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتْ الْيَهُودُ فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ» .

أَيْ أَسْهَلِهَا وَأَقْرَبِهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَدْنَى الْحِيَلِ لِأَنَّ الْمُطَلِّقَ ثَلَاثًا مَثَلًا مِنْ أَسْهَلِ الْحِيَلِ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ بَعْضَ التُّيُوسِ الْمُسْتَعَارَةِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَيَسْتَعِيرَهُ لِيَنْزُوَ عَلَى امْرَأَتِهِ نَزْوَةً وَقَدْ طَيَّبَهَا لَهُ، بِخِلَافِ الطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ الَّتِي هِيَ نِكَاحُ الرَّغْبَةِ فَإِنَّهَا يَصْعُبُ مَعَهَا عَوْدُهَا إلَى الْأَوَّلِ جِدًّا، وَكَذَلِكَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُقْرِضَ أَلْفًا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَمِنْ أَدْنَى الْحِيَلِ أَنْ يُعْطِيَهُ أَلْفًا إلَّا دِرْهَمًا بِاسْمِ الْقَرْضِ وَيَبِيعَهُ خِرْقَةً تُسَاوِي دِرْهَمًا بِخَمْسِمِائَةٍ، وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ لَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ حِيلَةُ الْيَهُودِ بِنَصْبِ الشِّبَاكِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَخْذِ مَا وَقَعَ فِيهَا يَوْمَ السَّبْتِ مِنْ أَسْهَل الْحِيَلِ.

وَكَذَلِكَ إذَابَتُهُمْ الشَّحْمَ وَبَيْعُهُ وَأَكْلُ ثَمَنِهِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: ثنا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ ثنا أَبُو بَكْرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَتَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ، وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَلَاءً فَلَا يَرْفَعُهُ حَتَّى يُرَاجِعُوا دِينَهُمْ» .

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ الْمِصْرِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ حَدَّثَهُ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.

قَالَ شَيْخُنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَانِ إسْنَادَانِ حَسَنَانِ؛ أَحَدُهُمَا يَشُدُّ الْآخَرَ وَيُقَوِّيه، فَأَمَّا رِجَالُ الْأَوَّلِ فَأَئِمَّةٌ مَشَاهِيرُ، وَلَكِنْ يُخَافُ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَعْمَشُ سَمِعَهُ مِنْ عَطَاءٍ أَوْ أَنَّ عَطَاءً لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ ابْنِ عُمَرَ؛ فَالْإِسْنَادُ الثَّانِي يُبَيِّنُ أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا مَحْفُوظًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ فَإِنَّ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ، وَحَيْوَةَ بْنَ شُرَيْحٍ كَذَلِكَ وَأَفْضَلُ. وَأَمَّا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَشَيْخٌ رَوَى عَنْهُ أَئِمَّةُ الْمِصْرِيِّينَ مِثْلُ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَغَيْرِهِمْ.

قَالَ: فَقَدْ رَوَيْنَا مِنْ طَرِيقٍ ثَالِثٍ مِنْ حَدِيثِ السَّرِيِّ بْنِ سَهْلٍ الْجُنَيْدِ سَابُورِيٍّ بِإِسْنَادٍ مَشْهُورٍ إلَيْهِ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رُشَيْدٍ ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَقَدْ أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ وَمَا مِنَّا رَجُلٌ يَرَى أَنَّهُ أَحَقُّ بِدِينَارِهِ وَدِرْهَمِهِ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ. وَلَقَدْ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إذَا ضَنَّ النَّاسُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ، وَتَبَايَعُوا بِالْعِينَةِ، وَتَرَكُوا الْجِهَادَ، وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ؛ أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ عَنْهُمْ حَتَّى يَتُوبُوا وَيُرَاجِعُوا دِينَهُمْ»

وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا عَنْ عَطَاءٍ، وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ الْمَعْرُوفُ بِمُطَيَّنٍ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ لَهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْعِينَةِ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ لَا يُخْدَعُ، هَذَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.

وَرَوَى أَيْضًا فِي كِتَابِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اتَّقُوا هَذِهِ الْعِينَةَ، لَا تَبِعْ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ وَبَيْنَهُمَا حَرِيرَةٌ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ مِنْ رَجُلٍ حَرِيرَةً بِمِائَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِخَمْسِينَ، فَسَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ مُتَفَاضِلَةً دَخَلَتْ بَيْنَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>