للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: وَأَمَّا نِكَاحُ الدُّلْسَةِ فَنَعَمْ هُوَ بَاطِلٌ، وَلَكِنْ مَا هُوَ نِكَاحُ الدُّلْسَةِ؟ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنْ تُدَلِّسَ لَهُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِهَا، أَوْ تُدَلِّسَ لَهُ أَنَّهَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَمْ تَنْقَضِ لِتَسْتَعْجِلَ عَوْدَهَا إلَى الْأَوَّلِ.

وَأَمَّا لَعْنُهُ لِلْمُحَلِّلِ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُرِدْ كُلَّ مُحَلِّلٍ وَمُحَلَّلٍ لَهُ؛ فَإِنَّ الْوَلِيَّ مُحَلِّلٌ لِمَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَ الْعَقْدِ، وَالْحَاكِمُ الْمُزَوِّجُ مُحَلِّلٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَالْبَائِعُ لِأُمَّتِهِ مُحَلِّلٌ لِلْمُشْتَرِي وَطْأَهَا، فَإِنْ قُلْنَا: " الْعَامُّ إذَا خَصَّ صَارَ مُجْمَلًا " بَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِالْحَدِيثِ، وَإِنْ قُلْنَا: " هُوَ حُجَّةٌ فِيمَا عَدَا مَحَلَّ التَّخْصِيصِ " فَذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْهُ، وَلَسْنَا نَدْرِي الْمُحَلِّلَ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا النَّصِّ، أَهُوَ الَّذِي نَوَى التَّحْلِيلَ أَوْ شَرَطَهُ قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ شَرَطَهُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ؟ أَوْ الَّذِي أَحَلَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ وَوَجَدْنَا كُلَّ مَنْ تَزَوَّجَ مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا فَإِنَّهُ مُحَلِّلٌ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّحْلِيلَ وَلَمْ يَنْوِهِ؛ فَإِنَّ الْحِلَّ حَصَلَ بِوَطْئِهِ وَعَقْدِهِ؟ وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي النَّصِّ، فَعُلِمَ أَنَّ النَّصَّ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَنْ أَحَلَّ الْحَرَامَ بِفِعْلِهِ أَوْ عَقْدِهِ، وَنَحْنُ وَكُلُّ مُسْلِمٍ لَا نَشُكُّ فِي أَنَّهُ أَهْلٌ لِلَعْنَةِ اللَّهِ، أَمَّا مَنْ قَصَدَ الْإِحْسَانَ إلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَرَغِبَ فِي جَمْعِ شَمْلِهِ بِزَوْجَتِهِ، وَلَمِّ شَعْثِهِ وَشَعْثِ أَوْلَادِهِ وَعِيَالِهِ؛ فَهُوَ مُحْسِنٌ، وَمَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَلْحَقَهُمْ لَعْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

ثُمَّ قَوَاعِدُ الْفِقْهِ وَأَدِلَّتُهُ لَا تُحَرِّمُ مِثْلَ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِطْ الْمَحْرَمُ فِي صُلْبِهَا عُقُودٌ صَدَرَتْ مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحِلِّهَا مَقْرُونَةً بِشُرُوطِهَا، فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَهُمَا تَامَّانِ، وَأَهْلِيَّةُ الْعَاقِدِ لَا نِزَاعَ فِيهَا، وَمَحَلِّيَّةُ الْعَقْدِ قَابِلَةٌ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَصْدُ الْمَقْرُونُ بِالْعَقْدِ، وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي بُطْلَانِ الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ، لِوُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُحْتَالَ مَثَلًا إنَّمَا قَصَدَ الرِّبْحَ الَّذِي وُضِعَتْ لَهُ التِّجَارَةُ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَإِذَا حَصَلَ لَهُ الرِّبْحُ حَصَلَ لَهُ مَقْصُودُهُ، وَقَدْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْمُفْضِيَةَ إلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ، وَالْمُحَلِّلُ غَايَتُهُ أَنَّهُ قَصَدَ الطَّلَاقَ وَنَوَاهُ إذَا وَطِئَ الْمَرْأَةَ، وَهُوَ مِمَّا مَلَّكَهُ الشَّارِعُ إيَّاهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ نَوَى الْمُشْتَرِي إخْرَاجَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ إذَا اشْتَرَاهُ، وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ السَّبَبَ مُقْتَضٍ لِتَأَبُّدِ الْمِلْكِ، وَالنِّيَّةُ لَا تُغَيِّرُ مُوجِبَ السَّبَبِ حَتَّى يُقَالَ: إنَّ النِّيَّةَ تُوجِبُ تَأْقِيتَ الْعَقْدِ، وَلَيْسَتْ هِيَ مُنَافِيَةً لِمُوجِبِ الْعَقْدِ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ. وَلَوْ نَوَى بِعَقْدِ الشِّرَاءِ إتْلَافَ الْمَبِيعِ وَإِحْرَاقَهُ أَوْ إغْرَاقَهُ لَمْ يَقْدَحْ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ، فَنِيَّةُ الطَّلَاقِ أَوْلَى، وَأَيْضًا فَالْقَصْدُ لَا يَقْدَحُ فِي اقْتِضَاءِ السَّبَبِ لِحُكْمِهِ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَمَّا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى عَصِيرًا وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَتَّخِذَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>