للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَمْرًا أَوْ جَارِيَةً وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يُكْرِهَهَا عَلَى الْبِغَاءِ أَوْ يَجْعَلَهَا مُغَنِّيَةً أَوْ سِلَاحًا وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ مَعْصُومًا فَكُلُّ ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنْ السَّبَبِ؛ فَلَا يَخْرُجُ السَّبَبُ عَنْ اقْتِضَاءِ حُكْمِهِ.

وَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْقَصْدِ وَبَيْنَ الْإِكْرَاهِ؛ فَإِنَّ الرِّضَا شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَالْإِكْرَاهُ يُنَافِي الرِّضَا، وَظَهَرَ أَيْضًا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّرْطِ الْمُقَارِنِ؛ فَإِنَّ الشَّرْطَ الْمُقَارِنَ يَقْدَحُ فِي مَقْصُودِ الْعَقْدِ؛ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْعَاقِدَ قَصَدَ مُحَرَّمًا، لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا لِيُضَارَّ بِهَا امْرَأَةً لَهُ أُخْرَى، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي اللَّفْظِ الْمُحْتَمِلِ لِلْمَنْوِيِّ وَغَيْرِهِ، مِثْلَ الْكِنَايَاتِ، وَمِثْلَ أَنْ يَقُولَ: اشْتَرَيْت كَذَا؛ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ لِنَفْسِهِ وَلِمُوَكَّلِهِ، فَإِذَا نَوَى أَحَدَهُمَا صَحَّ، فَإِذَا كَانَ السَّبَبُ ظَاهِرًا مُتَعَيِّنًا لِمُسَبِّبِهِ لَمْ يَكُنْ لِلنِّيَّةِ الْبَاطِنَةِ أَثَرٌ فِي تَغْيِيرِ حُكْمِهِ.

يُوَضِّحُهُ أَنَّ النِّيَّةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي اقْتِضَاءِ الْأَسْبَابِ الْحِسِّيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِمُسَبِّبَاتِهَا وَلَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِي تَغْيِيرِهَا، يُوَضِّحُهُ أَنَّ النِّيَّةَ إمَّا أَنْ تَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ أَوْ لَا تَكُونَ، فَإِنْ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ لَزِمَ أَنَّهُ إذَا نَوَى أَنْ لَا يَبِيعَ مَا اشْتَرَاهُ وَلَا يَهَبُهُ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ، أَوْ نَوَى أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ مِلْكِهِ، أَوْ نَوَى أَنْ لَا يُطَلِّقَ الزَّوْجَةَ أَوْ يَبِيتَ عِنْدَهَا كُلَّ لَيْلَةٍ أَوْ لَا يُسَافِرَ عَنْهَا، بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ حِينَئِذٍ.

وَأَيْضًا فَنَحْنُ لَنَا ظَوَاهِرُ الْأُمُورِ، وَإِلَى اللَّهِ سَرَائِرُهَا وَبَوَاطِنُهَا؛ وَلِهَذَا يَقُولُ الرُّسُلُ لِرَبِّهِمْ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إذَا سَأَلَهُمْ: {مَاذَا أُجِبْتُمْ} [المائدة: ١٠٩] فَيَقُولُونَ: {لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: ١٠٩] كَانَ لَنَا ظَوَاهِرُهُمْ، وَأَمَّا مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ ضَمَائِرُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ فَأَنْتَ الْعَالِمُ بِهِ.

قَالُوا: فَقَدْ ظَهَرَ عُذْرُنَا، وَقَامَتْ حُجَّتُنَا، فَتَبَيَّنَ أَنَّا لَمْ نَخْرُجْ فِيمَا أَصَّلْنَاهُ - مِنْ اعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَى الْقُصُودِ فِي الْعُقُودِ، وَإِلْغَاءِ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْخَالِي عَنْهَا الْعَقْدُ، وَالتَّحَيُّلُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ مَضَايِقِ الْأَيْمَانِ وَمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ الرِّبَا وَغَيْرِهِ - عَنْ كِتَابِ رَبِّنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا وَأَقْوَالِ السَّلَفِ الطَّيِّبِ.

وَلَنَا بِهَذِهِ الْأُصُولِ رَهْنٌ عِنْدَ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ الطَّوَائِفِ الْمُنْكِرَةِ عَلَيْنَا.

[ادِّعَاءٌ أَنَّ فِي مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ فُرُوعًا يَنْبَنِي عَلَيْهَا تَجْوِيزُ الْحِيَلِ] : قُلْنَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ رُهُونٌ كَثِيرَةٌ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، وَقَدْ سَلَّمُوا لَنَا أَنَّ الشَّرْطَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى الْعَقْدِ مُلْغًى، وَسَلَّمُوا لَنَا أَنَّ الْقُصُودَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي الْعُقُودِ، وَسَلَّمُوا لَنَا جَوَازَ التَّحَيُّلِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>