للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْوَصِيَّةِ رَحْمَةً بِالْوَارِثِ وَنَظَرًا لَهُ، وَجَاءَتْ السُّنَّةُ فِيمَنْ نَذَرَتْ الْحَجَّ مَاشِيَةً أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِي، إقَامَةً لِتَرْكِ بَعْضِ الْوَاجِبِ بِالنَّذْرِ مَقَامَ تَرْكِ الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ فِي الْمَنَاسِكِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ كَطَوَافِ الْوَدَاعِ عَنْ الْحَائِضِ.

وَأَفْتَى ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مَنْ نَذَرَ ذَبْحَ ابْنِهِ بِشَاةٍ، إقَامَةَ لِذَبْحِ الشَّاةِ مَقَامَ ذَبْحِ الِابْنِ كَمَا شُرِعَ ذَلِكَ لِلْخَلِيلِ، وَأَفْتَى أَيْضًا مَنْ نَذَرَ أَنْ يَطُوفَ عَلَى أَرْبَعٍ بِأَنْ يَطُوفَ أُسْبُوعَيْنِ، إقَامَةً لِأَحَدِ الْأُسْبُوعَيْنِ مَقَامَ طَوَافِ الْيَدَيْنِ. وَأَفْتَى أَيْضًا هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْمَرِيضُ الْمَيْئُوسُ مِنْهُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ بِأَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، إقَامَةً لِلْإِطْعَامِ مَقَامَ الصِّيَامِ وَأَفْتَى أَيْضًا هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ: الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا أَنْ تُفْطِرَا وَتُطْعِمَا كُلَّ يَوْمٍ مِسْكَيْنَا، إقَامَةً لِلْإِطْعَامِ مَقَامَ الصِّيَامِ، وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا، وَغَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ فِي وَاجِبَاتِ الشَّرِيعَةِ أَنْ يُخَفِّفَ اللَّهُ تَعَالَى الشَّيْءَ مِنْهَا عِنْدَ الْمَشَقَّةِ بِفِعْلِ مَا يُشْبِهُهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ كَمَا فِي الْأَبْدَالِ وَغَيْرِهَا

وَلَكِنْ مِثْلُ قِصَّةِ أَيُّوبَ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي شَرْعِنَا؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ أَمَتَهُ أَوْ امْرَأَتَهُ مِائَةَ ضَرْبَةٍ أَمْكَنَهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى حِيلَةٍ وَتَخْفِيفُ الضَّرْبِ بِجَمْعِهِ، وَلَوْ نَذَرَ ذَلِكَ فَهُوَ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ الطَّائِفَةِ، وَعِنْدَ طَائِفَةٍ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ الْمُطْلَقُ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ خُصُوصًا فِي الْأَيْمَانِ؛ فَإِنَّ الرُّجُوعَ فِيهَا إلَى عُرْفِ الْخِطَابِ شَرْعًا أَوْ عَادَةً أَوْلَى مِنْ الرُّجُوعِ إلَى مُوجَبِ اللَّفْظِ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ قَالَ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢] ، وَقَالَ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤] .

وَفَهِمَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ ضَرَبَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ لَا مَجْمُوعَةٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَضْرُوبُ مَعْذُورًا عُذْرًا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ؛ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ ضَرْبًا مَجْمُوعًا، وَإِنْ كَانَ يُرْجَى زَوَالُهُ فَهَلْ يُؤَخَّرُ إلَى الزَّوَالِ، أَوْ يُقَامُ عَلَيْهِ مَجْمُوعًا؟ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّ الْحَالِفَ لَيَضْرِبَنَّ مُوجِبُ يَمِينِهِ هُوَ الضَّرْبُ الْمَجْمُوعُ مَعَ صِحَّةِ الْمَضْرُوبِ وَقُوَّتِهِ؟ فَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ أَقْوَى مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَرْبَابُ الْحِيَلِ، وَعَلَيْهَا بَنَوْا حِيَلَهُمْ، وَقَدْ ظَهَرَ بِحَمْدِ اللَّهِ أَنَّهُ لَا مُتَمَسَّكَ لَهُمْ فِيهَا أَلْبَتَّةَ.

فَصْلٌ [الْكَلَامُ عَلَى قِصَّةِ يُوسُفَ وَجَعْلِهِ الصُّوَاعَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ]

وَأَمَّا إخْبَارَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ يُوسُفَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ جَعَلَ صُوَاعَهُ فِي رَحْلِ أَخِيهِ لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى أَخْذِهِ وَكَيْدِ إخْوَتِهِ، فَنَقُولُ لِأَرْبَابِ الْحِيَلِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>