للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَبْضُهُ وَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ يَكُونُ عَبَثًا، وَتَأَمَّلْ حَالَ بَاعَةَ الْحُلِيِّ عَنْهُ.

كَيْفَ يُخْرِجُ كُلَّ حَلْقَةٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ قِطْعَةٍ مَا وَيَبِيعُكَ إيَّاهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا مِنْكَ؟ فَكَيْفَ لَا تَسْأَلُ عَنْ قِيمَتِهَا وَلَا عَنْ وَزْنِهَا وَلَا مُسَاوَاتِهَا لِلثَّمَنِ؟ بَلْ قَدْ تُسَاوِي أَضْعَافَهُ وَقَدْ تُسَاوِي بَعْضَهُ؛ إذْ لَيْسَتْ هِيَ الْقَصْدُ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ أَمْرٌ وَرَاءَهَا وَجُعِلَتْ هِيَ مُحَلِّلًا لِذَلِكَ الْمَقْصُودِ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَهُوَ إنَّمَا عَقَدَ مَعَهُ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ لِيُعِيدَ إلَيْهِ الثَّمَنَ بِعَيْنِهِ وَيَأْخُذَ الْعِوَضَ الْآخَرَ، وَهَذَا تَوَاطُؤٌ مِنْهُمَا حِينَ عَقَدَاهُ عَلَى فَسْخِهِ، وَالْعَقْدُ إذَا قُصِدَ بِهِ فَسْخُهُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا كَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَكَانَ تَوَسُّطُهُ عَبَثًا.

وَمِمَّا يُوَضِّحُ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا جَاءَهُ بِتَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ حِنْطَةٍ لِيَبْتَاعَهُ بِهِ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنَّهُمَا يَتَشَارَطَانِ وَيَتَرَاضَيَانِ عَلَى سِعْرِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ، وَأَنَّهُ مُدٌّ بِمُدٍّ وَنِصْفٍ مَثَلًا، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا، ثُمَّ يَقُولُ: بِعْنِي بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ كَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ النَّوْعِ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ فِي الصَّرْفِ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ وَلَا لِلْمُشْتَرِي غَرَضٌ فِي الدَّرَاهِمِ، وَالْغَرَضُ مَعْرُوفٌ، فَأَيْنَ مَنْ يَبِيعُهُ السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ لِيَشْتَرِيَ بِهِ مِنْهُ مِنْ جِنْسِهَا إلَى مَنْ يَبِيعُهُ إيَّاهَا بِثَمَنٍ لَهُ غَرَضٌ فِي تَمَلُّكِهِ وَقَبْضِهِ؟ وَتَوَسُّطِ الثَّمَنِ فِي الْأَوَّلِ عَبَثٌ مَحْضٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، فَكَيْفَ يَأْمُرُ بِهِ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ مَعَ زِيَادَةِ التَّعَبِ وَالْكُلْفَةِ فِيهِ؟ وَلَوْ كَانَ هَذَا سَائِغًا لَمْ يَكُنْ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا حِكْمَةٌ سِوَى تَضْيِيعِ الزَّمَانِ وَإِتْعَابِ النُّفُوسِ بِلَا فَائِدَةٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يَشَاءُ أَحَدٌ أَنْ يَبْتَاعَ رِبَوِيًّا بِأَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ جِنْسِهِ الْأَوَّلِ إلَّا قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا بِكَذَا، وَابْتَعْتُ مِنْكَ هَذَا بِهَذَا الثَّمَنِ؛ فَلَا يَعْجِزُ أَحَدٌ عَنْ اسْتِحْلَالِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ قَطُّ بِأَدْنَى الْحِيَلِ.

يُوَضِّحُهُ أَنَّ الرِّبَا نَوْعَانِ: رِبَا الْفَضْلِ، وَرِبَا النَّسِيئَةِ، فَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ فَيُمْكِنُهُ فِي كُلِّ مَالٍ رِبَوِيٍّ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذَا الْمَالَ بِكَذَا، وَيُسَمِّي مَا شَاءَ، ثُمَّ يَقُولُ: اشْتَرَيْتُ مِنْكَ هَذَا لِلَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِهِ - بِذَلِكَ الَّذِي سَمَّاهُ، وَلَا حَقِيقَةَ لَهُ مَقْصُودَةٌ، وَأَمَّا رِبَا النَّسِيئَةِ فَيُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الْحَرِيرَةَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرِينَ صَاعًا إلَى سَنَةٍ، وَابْتَعْتُهَا مِنْكَ بِخَمْسِمِائَةٍ حَالَّةٍ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا، وَيُمَكِّنَهُ رِبَا الْفَضْلِ، فَلَا يَشَاءُ مُرَابٍ إلَّا أَقْرَضَهُ ثُمَّ حَابَاهُ فِي بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَيَحْصُلُ مَقْصُودُهُ مِنْ الزِّيَادَةِ، فَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ، أَيَعُودُ الرِّبَا - الَّذِي قَدْ عَظَّمَ اللَّهُ شَأْنَهُ فِي الْقُرْآنِ، وَأَوْجَبَ مُحَارَبَةَ مُسْتَحِلِّهِ، وَلَعَنَ آكِلَهُ وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتَبَهُ، وَجَاءَ فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ مَا لَمْ يَجِئْ فِي غَيْرِهِ - إلَى أَنْ يُسْتَحَلَّ نَوْعَاهُ بِأَدْنَى حِيلَةٍ لَا كُلْفَةَ فِيهَا أَصْلًا إلَّا بِصُورَةِ عَقْدٍ هِيَ عَبَثٌ وَلَعِبٌ يُضْحَكُ مِنْهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا؟ فَكَيْفَ يُسْتَحْسَنُ أَنْ يُنْسَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>