للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَابِلٌ، وَهُوَ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّنْجِيزَ وَالتَّعْلِيقَ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْتَنِعٌ، وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَتَمَانَعَا وَتَسَاقَطَا، وَبَقِيَتْ الزَّوْجِيَّةُ بِحَالِهَا، وَصَارَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ نِكَاحُهُمَا لِهَذَا الدَّلِيلِ بِعَيْنِهِ.

وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَزَوَّجَهَا عَبْدُهُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ وَمَهْرُهَا مِائَةٌ وَبَاقِي التَّرِكَةِ مِائَةٌ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْخِيَارِ يَقْتَضِي سُقُوطَ الْمَهْرِ، وَسُقُوطُ الْمَهْرِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْخِيَارِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَا يُمْكِنُ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، لِأَنَّ طَرِيقَ ثُبُوتِهِمَا الشَّرْعُ، فَأَبْقَيْنَا النِّكَاحَ وَرَفَضْنَا الْخِيَارَ وَلَمْ يَسْقُطْ الْمَهْرُ، وَكُلُّ مَا أَفْضَى وُقُوعُهُ إلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ فَهَذِهِ سَبِيلُهُ. وَمِثَالُهُ فِي الْحِسِّ إذَا تَشَاحَّ اثْنَانِ فِي دُخُولِ دَارٍ، وَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْقُوَّةِ، وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَزِيَّةٌ تُوجِبُ تَقْدِيمَهُ؛ فَإِنَّهُمَا يَتَمَانَعَانِ فَلَا يَدْخُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَهَذَا مُشْتَقٌّ مِنْ دَلِيلِ التَّمَانُعِ عَلَى التَّوْحِيدِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَالَمِ فَاعِلَانِ مُسْتَقِلَّانِ بِالْفِعْلِ؛ فَإِنَّ اسْتِقْلَالَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَنْفِي اسْتِقْلَالَ الْآخَرِ، فَاسْتِقْلَالهمَا يَمْنَعُ اسْتِقْلَالَهُمَا، وَوَازَنَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ وُقُوعَهُمَا يَمْنَعُ وُقُوعَهُمَا.

[مَسَائِلُ عَدِيدَةٍ مِنْ الدَّوْرِ الْحُكْمِيِّ]

قَالُوا: وَغَايَةُ مَا فِي هَذَا الْبَابِ اسْتِلْزَامُ هَذَا التَّعْلِيقِ لِدَوْرٍ حُكْمِيٍّ يَمْنَعُ وُقُوعَ الْمُعَلَّقِ وَالْمُنَجَّزِ، وَنَحْنُ نُرِيكُمْ مِنْ مَسَائِلِ الدَّوْرِ الَّتِي يُفْضِي وُقُوعُهَا إلَى عَدَمِ وُقُوعِهَا كَثِيرًا، مِنْهَا مَا ذَكَرْنَاهُ، وَمِنْهَا مَا لَوْ وُجِدَ مِنْ أَحَدِهِمَا رِيحٌ وَشَكَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَلْ هِيَ مِنْهُ أَوْ مِنْ صَاحِبِهِ، لَمْ يَجُزْ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ؛ لِأَنَّ اقْتِدَاءَهُ بِهِ يُبْطِلُ اقْتِدَاءَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعَهُمَا إنَاءَانِ أَحَدُهُمَا نَجِسٌ فَأَدَّى اجْتِهَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى إنَاءٍ لَمْ تَجُزْ الْقُدْوَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى إبْطَالِ الْقُدْوَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا اجْتَهَدَا فِي الثَّوْبَيْنِ وَالْمَكَانَيْنِ، وَمِنْهَا لَوْ زَوَّجَ عَبْدَهُ حُرَّةً وَضَمِنَ السَّيِّدُ مَهْرَهَا ثُمَّ بَاعَهُ لِزَوْجِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ تُؤَدِّي إلَى فَسَادِهِ، إذْ لَوْ صَحَّ لَبَطَلَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهَا إذَا مَلَكَتْ زَوْجَهَا بَطَلَ نِكَاحُهَا، وَإِذَا بَطَلَ سَقَطَ مَهْرُهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهَا، وَإِذَا سَقَطَ مَهْرُهَا وَهُوَ الثَّمَنُ بَطَلَ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ أَلْبَتَّةَ، بَلْ إمَّا أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ وَلَا يَقَعَ الْعِتْقُ إذْ لَوْ وَقَعَ الْعِتْقُ لَبَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِذَا بَطَلَ بَطَلَ الْعِتْقُ؛ فَوُقُوعُهُ يُؤَدِّي إلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ.

وَهَذَا قَوْلُ الْمُزَنِيّ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَوَقَعَ الْعِتْقُ قَبْلَهُ، وَوُقُوعُ الْعِتْقِ قَبْلَهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ، فَصِحَّةُ الْبَيْعِ تَمْنَعُ صِحَّتَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ: " إذَا رَهَنْتُك فَأَنْتِ حُرٌّ قَبْلَهُ بِسَاعَةٍ " وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِعَبِيدِهِ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمْ وَقَدْ أَفْلَسَ: " إنْ حَجَرَ الْحَاكِمُ عَلَيَّ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ قَبْلَ الْحَجْرِ بِيَوْمٍ " لَمْ يَصِحَّ الْحَجْرُ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ تَمْنَعُ صِحَّتَهُ، وَمِثَالُهُ لَوْ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>