لَزَالَ خَوْفُ الْعَنَتِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ النِّكَاحَ، وَبُطْلَانَهُ يُوجِبُ بُطْلَانَ الدَّعْوَى مِنْهَا، فَلَمَّا كَانَتْ صِحَّةُ دَعْوَاهَا تُؤَدِّي إلَى إفْسَادِهَا أَفْسَدْنَاهَا.
وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا ادَّعَتْ عَلَى سَيِّدِ زَوْجِهَا أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهَا بِمَهْرِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَاهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ لَسَقَطَ نِصْفُ الْمَهْرِ وَبَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْعَبْدِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ فَحَكَمَ بِعِتْقِهِ، ثُمَّ ادَّعَى الْعَبْدُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِحُرِّيَّتِهِ عَلَى أَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ؛ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ تَحْقِيقَهَا يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْعِتْقِ، فَتَبْطُلُ دَعْوَى مِلْكِهِ لِلشَّاهِدِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ سُبِيَ مُرَاهِقٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُعْلَمْ بُلُوغُهُ، فَأَنْكَرَ الْبُلُوغَ، لَمْ يُسْتَحْلَفْ؛ لِأَنَّ إحْلَافَهُ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ اسْتِحْلَافِهِ، فَإِنَّا لَوْ حَلَّفْنَاهُ لَحَكَمْنَا بِصِغَرِهِ وَالْحُكْمُ بِالصِّغَرِ يَمْنَعُ الِاسْتِحْلَافَ.
وَنَظِيرُهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى أُمِّ مُرَاهِقٍ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ أَوْ قَذْفًا يُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ مَالًا مِنْ مُبَايَعَةٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَادَّعَى أَنَّهُ بَالِغٌ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بِذَلِكَ فَأَنْكَرَ الْغُلَامُ ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ؛ إذْ لَوْ حَلَّفْنَاهُ لَحَكَمْنَا بِصِغَرِهِ، وَالْحُكْمُ بِالصِّغَرِ يُسْقِطُ الْيَمِينَ عَنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَا يَمِينٌ لَمْ يَكُنْ رَدُّ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ رَدَّ الْيَمِينِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ نُكُولِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْتَقَ الْمَرِيضُ جَارِيَةً لَهُ قِيمَتُهَا مِائَةٌ، وَتَزَوَّجَ بِهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَمَهْرُهَا مِائَةٌ، وَتَرَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ، وَلَا مَهْرَ لَهَا، وَلَا مِيرَاثَ، أَمَّا الْمِيرَاثُ فَلِأَنَّهَا لَوْ وَرِثَتْ لَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِعِتْقِهَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ، وَفِي بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بُطْلَانُ الْحُرِّيَّةِ، وَفِيهِ بُطْلَانُ الْمِيرَاثِ.
وَأَمَّا سُقُوطُ الْمَهْرِ فَلِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَرَكِبَ السَّيِّدُ دَيْنٌ، وَلَمْ تَخْرُجْ قِيمَتُهَا مِنْ الثُّلُثِ، فَيَبْطُلُ عِتْقُهَا كُلُّهَا، فَلَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنْكِحَهَا وَبَعْضُهَا رَقِيقٌ، فَيَبْطُلُ الْمَهْرُ، فَكَانَ ثُبُوتُ الْمَهْرِ مُؤَدِّيًا إلَى بُطْلَانِهِ.
فَالْحُكْمُ بِإِبْطَالِهَا مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} [النحل: ٩٢] فَعَيَّرَ تَعَالَى مَنْ نَقَضَ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ أَثْبَتَهُ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ إثْبَاتُهُ مُؤَدِّيًا إلَى نَفْيِهِ وَإِبْطَالِهِ كَانَ بَاطِلًا، فَهَذَا مَا احْتَجَّ بِهِ السُّرَيْجِيُّونَ.
[الرَّدُّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ قَالَ الْآخَرُونَ لَقَدْ أَطَلْتُمْ الْخَطْبَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَمْ تَأْتُوا بِطَائِلٍ، وَقُلْتُمْ وَلَكِنْ تَرَكْتُمْ مَقَالًا لِقَائِلٍ، وَتَأْبَى قَوَاعِدُ اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ وَالْعَقْلِ لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ تَصْحِيحًا، وَالْمِيزَانُ الْعَادِلُ لَهَا عِنْدَ الْوَزْنِ تَرْجِيحًا، وَهَيْهَاتَ أَنْ تَكُونَ شَرِيعَتُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُشَابَهَةً لِشَرِيعَةِ