للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّ الْحُكْمَ لَا يَجُوزُ تَقَدُّمُهُ عَلَى عِلَّتِهِ، وَيَجُوزُ تَقَدُّمُهُ عَلَى شَرْطِهِ كَمَا يَجُوزُ تَقَدُّمُهُ عَلَى أَحَدِ سَبَبَيْهِ - إلَى آخَرِهِ " فَجَوَابُهُ أَنَّ الشَّرْطَ إمَّا أَنْ يُوجَدَ جُزْءًا مِنْ الْمُقْتَضَى أَوْ يُوجَدَ خَارِجًا عَنْهُ، وَهُمَا قَوْلَانِ لِلنُّظَّارِ، وَالنِّزَاعُ لَفْظِيٌّ؛ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْمُقْتَضَى التَّامُّ فَالشَّرْطُ جُزْءٌ مِنْهُ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمُقْتَضَى الَّذِي يَتَوَقَّفُ اقْتِضَاؤُهُ عَلَى وُجُودِ شَرْطِهِ وَعَدَمِ مَانِعِهِ فَالشَّرْطُ لَيْسَ جُزْءًا مِنْهُ، وَلَكِنْ اقْتِضَاؤُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ طَرِيقَةُ الْقَائِلِينَ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ، وَالْأُولَى طَرِيقَةُ الْمَانِعِينَ مِنْ التَّخْصِيصِ، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَيَمْتَنِعُ تَأَخُّرُ الشَّرْطِ عَنْ وُقُوعِ الْمَشْرُوطِ؛ لَأَنْ يَسْتَلْزِمَ وُقُوعَ الْحُكْمِ بِدُونِ سَبَبِهِ التَّامِّ؛ فَإِنَّ الشَّرْطَ إنْ كَانَ جُزْءًا مِنْ الْمُقْتَضَى فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ شَرْطًا لِاقْتِضَائِهِ فَالْمُعَلَّقُ عَلَى الشَّرْطِ لَا يُوجَدُ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا؛ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ يُوجَدُ بِدُونِهِ لَمْ يَكُنْ شَرْطًا، فَلَوْ ثَبَتَ الْحُكْمُ قَبْلَهُ لَثَبَتَ بِدُونِ سَبَبِهِ التَّامِّ، فَإِنَّ سَبَبَهُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالشَّرْطِ، فَعَادَ الْأَمْرُ إلَى سَبْقِ الْأَثَرِ لَمُؤَثِّرِهِ وَالْمَعْلُولِ لِعِلَّتِهِ، وَهَذَا مُحَالٌ، وَلِهَذَا لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَكُمْ حِيلَةٌ فِي دَفْعِهِ وَعَلِمْتُمْ لُزُومَهُ فَرَرْتُمْ إلَى مَا لَا يُجْدِي عَلَيْكُمْ شَيْئًا.

وَهُوَ جَعْلُ الشَّرْطِ مُجَرَّدَ عَلَامَةٍ وَدَلِيلٍ وَمُعَرِّفٍ، وَهَذَا إخْرَاجٌ لِلشَّرْطِ عَنْ كَوْنِهِ شَرْطًا وَإِبْطَالٌ لِحَقِيقَتِهِ؛ فَإِنَّ الْعَلَامَةَ وَالدَّلِيلَ [وَ] الْمُعَرِّفَ لَيْسَتْ شُرُوطًا فِي الْمَدْلُولِ الْمُعَرَّفِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهَا نَفْيُهُ، فَإِنَّ الشَّيْءَ يَثْبُتُ بِدُونِ عَلَامَةٍ وَمُعَرِّفٍ لَهُ، وَالْمَشْرُوطُ يَنْتَفِي لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لِوُجُودِهِ.

وَكُلُّ الْعُقَلَاءِ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْأَمَارَةِ الْمَحْضَةِ وَأَنَّ حَقِيقَةَ أَحَدِهِمَا وَحُكْمَهُ دُونَ حَقِيقَةِ الْآخَرِ وَحُكْمِهِ.

وَإِنْ كَانَ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْعَلَامَةَ شَرْطٌ فِي الْعِلْمِ بِالْمُعَلَّمِ وَالدَّلِيلُ شَرْطٌ فِي الْعِلْمِ بِالْمَدْلُولِ، فَذَاكَ أَمْرٌ وَرَاءَ الشَّرْطِ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ، فَهَذَا شَيْءٌ وَذَلِكَ شَيْءٌ آخَرُ، وَهَذَا حَقٌّ، وَلِهَذَا يَنْتَفِي الْعِلْمُ بِالْمَدْلُولِ عِنْدَ انْتِفَاءِ دَلِيلِهِ، وَلَكِنْ هَلْ يَقُولُ أَحَدٌ: إنَّ الْمَدْلُولَ يَنْتَفِي وَانْتِفَاءَ دَلِيلِهِ؟ فَإِنْ قِيلَ: نَعَمْ، قَدْ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَهُوَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِانْتِفَاءِ دَلِيلِهِ.

قِيلَ: نَعَمْ فَإِنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ دَلِيلِهِ، فَدَلِيلُهُ مُوجِبٌ لِثُبُوتِهِ، فَإِذَا انْتَفَى الْمُوجِبُ انْتَفَى الْمُوجَبَ، وَلِهَذَا يُقَالُ: لَا مُوجِبَ فَلَا مُوجَبَ، أَمَّا شَرْطُ اقْتِضَاءِ السَّبَبِ لِحِكْمَةٍ فَلَا يَجُوزُ اقْتِضَاؤُهُ بِدُونِ شَرْطِهِ، وَلَوْ تَأَخَّرَ الشَّرْطُ عَنْهُ لَكَانَ مُقْتَضِيًا بِدُونِ شَرْطِهِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ إخْرَاجَ الشَّرْطِ عَنْ حَقِيقَتِهِ، وَهُوَ مُحَالٌ.

وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْحُكْمِ عَلَى أَحَدِ سَبَبَيْهِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا عَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ، أَوْ تَقْدِيمُهُ عَلَى شَرْطٍ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِهِ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى؛ فَالتَّنْظِيرُ بِهِ مَغْلَطَةٌ؛ فَإِنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى سَبَبِهِ وَلَا شَرْطِهِ، وَهَذَا مُحَالٌ.

وَإِنْ وَقَعَ تَسَامُحٌ فِي عِبَارَةِ الْفُقَهَاءِ، فَإِنَّ الْقَضَاءَ الْحَوْلُ مَثَلًا وَالْحِنْثُ وَالْمَوْتُ بَعْدَ الْجُرْحِ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ، وَنَحْنُ لَمْ نُقَدِّمْ الْوُجُوبَ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>