للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرْطٍ وَلَا سَبَبِهِ، وَإِنَّمَا قَدَّمْنَا فِعْلَ الْوَاجِبِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْحُكْمِ بِالْوُجُوبِ، وَبَيْنَ تَقَدُّمِ أَدَاءِ الْوَاجِبِ، فَظَهَرَ أَنَّ هَذَا وَهْمٌ أَوْ إيهَامٌ، وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ تَقْدِيمَ شَرْطِ عِلَّةِ الْحُكْمِ وَمُوجِبِهِ عَلَى الْحُكْمِ أَمْرٌ ثَابِتٌ عَقْلًا وَشَرْعًا، وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ ذَلِكَ عَنْ نَصِّ أَهْلِ اللُّغَةِ حَتَّى تُطَالِبُونَا بِنَقْلِهِ، بَلْ ذَلِكَ أَمْرٌ ثَابِتٌ لِذَاتِ الشَّرْطِ وَحُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِهِ.

وَلَيْسَ ذَلِكَ مُتَلَقًّى مِنْ اللُّغَةِ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَخْتَلِفُ بِتَقَدُّمِ لَفْظٍ وَلَا تَأَخُّرِهِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: " أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ " أَوْ قَالَ: " يَبْعَثُكِ اللَّهُ إذَا مِتَّ " أَوْ: " تَجِبُ عَلَيْكِ الصَّلَاةُ إذَا دَخَلَ وَقْتُهَا " وَنَحْوَ ذَلِكَ فَالشَّرْطُ مُتَقَدِّمٌ عَقْلًا وَطَبْعًا وَشَرْعًا وَإِنْ تَأَخَّرَ لَفْظًا.

وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: " إنَّ الْأَحْكَامَ تَقْبَلُ النَّقْلَ عَنْ مَوَاضِعِهَا فَتُتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ " فَتَطْوِيلٌ بِلَا تَحْصِيلٍ، وَتَهْوِيلٌ بِلَا تَفْضِيلٍ، فَهَلْ تَقْبَلُ النَّقْلَ عَنْ تَرْتِيبِهَا عَلَى أَسْبَابِهَا وَمُوجِبَاتِهَا بِحَيْثُ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِ سَبَبِهِ وَمُقْتَضِيهِ؟ نَعَمْ قَدْ يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ وَيَنْتَقِلُ لِقِيَامِ سَبَبٍ آخَرَ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَيَكُونُ مُرَتَّبًا عَلَى سَبَبِهِ الثَّانِي بَعْدَ انْتِقَالِهِ كَمَا كَانَ مُرَتَّبًا عَلَى الْأَوَّلِ قَبْلَ انْتِقَالِهِ، وَفِي كُلٍّ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ هُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى سَبَبِهِ هَذَا فِي حُكْمِهِ وَذَاكَ فِي مَحَلِّهِ، وَأَمَّا تَنْظِيرُكُمْ بِنَقْلِ الْأَحْكَامِ وَتَقَدُّمِهَا عَلَى أَسْبَابِهَا بِقَوْلِهِ: " أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ " وَقَوْلِكُمْ: " إنَّ نَظِيرَهُ فِي الْحِسِّيَّاتِ أَنْ تَقُولَ: إنْ زُرْتَنِي أَكْرَمْتُكَ قَبْلَ زِيَارَتِكَ بِشَهْرٍ " فَوَهْمٌ أَيْضًا أَوْ إيهَامٌ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ " إنَّمَا تَطْلُقُ إذَا مَضَى شَهْرٌ بَعْدَ هَذِهِ الْيَمِينِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بَعْدَ إيقَاعِهِ فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ لَمْ تَطْلُقْ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ أَنْتِ طَالِقٌ عَامَ الْأَوَّلِ؛ لَيْسَ كَذَلِكَ قَوْلُهُ: " إنْ زُرْتَنِي أَكْرَمْتُكَ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ " فَإِنَّ الطَّلَاقَ حُكْمٌ يُمْكِنُ تَقْدِيرُ وُقُوعِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ، وَالْإِكْرَامُ فِعْلٌ حِسِّيٌّ لَا يَكُونُ إكْرَامًا بِالتَّقْدِيرِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ إكْرَامًا بِالْوُقُوعِ، وَأَمَّا اسْتِشْهَادُكُمْ بِقَوْلِهِ: " أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي " فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ؛ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَقَدُّمَ الْمِلْكِ التَّقْدِيرِيِّ عَلَى الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ أَثَرُهُ وَمُوجَبُهُ، وَالْمِلْكُ شَرْطُهُ، وَلَوْ جَازَ تَأَخُّرُ الشَّرْطِ لَقُدِّرَ الْمِلْكُ لَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَهَذَا مُحَالٌ؛ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَسْبَابَ وَالشُّرُوطَ يَجِبُ تَقَدُّمُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ مُحَقَّقَةً أَوْ مُقَدَّرَةً.

وَقَوْلُكُمْ: " إنَّ هَذَا التَّعْلِيقَ يَتَضَمَّنُ شَرْطًا وَمَشْرُوطًا، وَالْقَضِيَّةُ الشَّرْطِيَّةُ قَدْ تُعْقَدُ لِلْوُقُوعِ وَقَدْ تُعْقَدُ لِنَفْيِ الشَّرْطِ وَالْجُزْءِ - إلَى آخِرِهِ " فَجَوَابُهُ أَيْضًا أَنَّ هَذَا مِنْ الْوَهْمِ أَوْ الْإِيهَامِ؛ فَإِنَّ الْقَضِيَّةَ الشَّرْطِيَّةَ هِيَ الَّتِي يَصِحُّ الِارْتِبَاطُ بَيْنَ جُزْأَيْهَا، سَوَاءٌ كَانَا مُمَكِّنَيْنِ أَوْ مُمْتَنِعَيْنِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِدْقِهَا شَرْطِيَّةً صِدْقُ جُزْأَيْهَا جُمْلَتَيْنِ؛ فَالِاعْتِبَارُ إنَّمَا هُوَ بِصِدْقِهَا فِي نَفْسِهَا؛ وَلِهَذَا كَانَ قَوْله تَعَالَى {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢] مِنْ أَصْدَقِ الْكَلَامِ وَجُزْءُ الشَّرْطِيَّةِ مُمْتَنِعَانِ، لَكِنَّ أَحَدَهُمَا مَلْزُومٌ لِلْآخَرِ، فَقَامَتْ الْقَضِيَّةُ الشَّرْطِيَّةُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>