للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْتَقْبَلِ فَمَتَى دَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ الْيَمِينِ طَلُقَتْ بِمَا حَلَفَ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ تَقَدَّمَ لَهَا دُخُولُ الدَّارِ قَبْلَ الْيَمِينِ فَهَلْ يَحْنَثُ بِالدُّخُولِ الْمَاضِي أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا لَا يَحْنَثُ.

وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ إذَا عَلَّلَ الطَّلَاقَ بِعِلَّةٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ انْتِفَاؤُهَا فَمَذْهَبُ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ، وَعِنْدَ شَيْخِنَا لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ التَّعْلِيلِ بِلَفْظِهِ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ أَنْ يُطَلِّقَهَا لِعِلَّةٍ مَذْكُورَةٍ فِي اللَّفْظِ أَوْ غَيْرِ مَذْكُورَةٍ، فَإِذَا تَبَيَّنَ انْتِفَاؤُهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِالْمَذْهَبِ غَيْرُهُ، وَلَا تَقْتَضِي قَوَاعِدُ الْأَئِمَّةِ غَيْرَهُ، فَإِذَا قِيلَ لَهُ: امْرَأَتُك قَدْ شَرِبَتْ مَعَ فُلَانٍ أَوْ بَاتَتْ عِنْدَهُ، فَقَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ أَنَّهَا طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي بَيْتِهَا قَائِمَةً تُصَلِّي فَإِنَّ هَذَا الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِهِ قَطْعًا، وَلَيْسَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ: " إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا " فَرْقٌ أَلْبَتَّةَ، لَا عِنْدَ الْحَالِفِ وَلَا فِي الْعُرْفِ وَلَا فِي الشَّرْعِ، فَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ بِهَذَا وَهْمٌ مَحْضٌ؛ إذْ يَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ طَلَاقَ مَنْ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ طَلَاقَ مَنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ، وَقَدْ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ - مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ وَالْقَفَّالُ وَغَيْرُهُمَا الرَّجُلُ يَمُرُّ عَلَى الْمَكَّاسِ بِرَقِيقٍ لَهُ فَيُطَالِبُهُ بِمَكْسِهِمْ فَيَقُولُ: " هُمْ أَحْرَارٌ " لِيَتَخَلَّصَ مِنْ ظُلْمِهِ، وَلَا غَرَضَ لَهُ فِي عِتْقِهِمْ، أَنَّهُمْ لَا يُعْتِقُونَ، وَبِهَذَا أَفْتَيْنَا نَحْنُ تُجَّارَ الْيَمَنِ لَمَّا قَدِمُوا مِنْهَا وَمَرُّوا عَلَى الْمَكَّاسِينَ فَقَالُوا لَهُمْ ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ بِمَا إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْعِوَضَ فَقَالَ: " اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ " بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ قَدْ سَلَّمَ لَهُ الْعِوَضَ فَظَهَرَ الْعِوَضُ مُسْتَحَقًّا وَرَجَعَ بِهِ عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ، وَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ بِعَيْنِهِ، وَصَرَّحُوا أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ بِشَرْطٍ فَظَنَّ أَنَّ الشَّرْطَ قَدْ وَقَعَ فَقَالَ: " اذْهَبِي فَأَنْتِ طَالِقٌ "، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَبَانَ أَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا لَوْ قَالَ " حَلَفْت بِطَلَاقِ امْرَأَتِي ثَلَاثًا أَلَّا أَفْعَلَ كَذَا "، وَكَانَ كَاذِبًا ثُمَّ فَعَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ.

قَالَ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي: إذَا قَالَ: حَلَفْتُ، وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هِيَ كِذْبَةٌ لَيْسَ عَلَيْهِ يَمِينٌ، وَعَنْهُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُ حَكَمَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ كَذَبَ فِي الْخَبَرِ بِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: " مَا صَلَّيْت " وَقَدْ صَلَّى.

قُلْت: قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: بَابُ الْقَوْلِ فِي إخْبَارِ الْإِنْسَانِ بِالطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ كَاذِبًا، قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: إذَا قَالَ: " حَلَفْت بِيَمِينٍ "، وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، فَإِنْ قَالَ: " قَدْ حَلَفْت بِالطَّلَاقِ "، وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ بِهَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، وَيَرْجِعُ إلَى نِيَّتِهِ فِي الْوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ: قَدْ حَلَفْتُ، وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ: فَهِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>