للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحجى من قومه: لقد أصابَتْ فُلانًا فاقةٌ فحلَّتْ لهُ المسألةُ، حتى يُصيبَ قواما من عيشٍ، أو قالَ: سِدادًا من عَيشٍ. فما سِواهنَّ من المسألةِ يا قبيصةُ سحتٌ يأكلُها صاحبُها سُحتًا)). رواه مسلم.

ــ

لعله ذكره علي وجه الاستحباب وطريقة الاحتياط؛ ليكون أدل علي براءة السائل عن التهمة وأدعى للناس إلي سد حاجته.

((مح)): ((حتى يقوم)) هكذا في جميع نسخ مسلم، وهو صحيح. قال الصنعانى: كذا وقع في كتاب مسلم، والصواب ((يقول)) باللام، وكذا اخرجه أبو داود. أقول: قد سبق أن ((يقوم)) أبلغ، والمقام له أدعى، وحذف القول في الكلام الفصيح شائع، قال تعالي {وعرضوا علي ربك صفًا لقد جئتمونا} أي قلنا لقد جئتمونا.

قوله: ((سحت)) ((نه)): السحت هو الحرام الذي لايحل كسبه؛ لأنه يسحت البركة، أي يذهبها. ويقال: مال فلان سحت، أي لا شىء علي من استهلكه، ودمه سحت، أي لا شىء علي من سفكه. واشتقاقه من السحت، وهو الإهلاك، والاستئصال.

أقول: قوله: ((يأكلها صاحبها سحتًا)) صفة لـ ((سحت)) والضمير الراجع إلي الموصوف مؤنث علي تأويل الصدقة. وفائدة الصفة أن أكل السحت لايجد للسحت الذي يأكله شبهة تجعلها مباحًا علي نفسه، بل يأكلها من جهة السحت، كما في قوله تعالي: {ويقتلون النبيين بغير حق} أي يقتلونهم علي اعتقاد أن قتلهم مباح، وليس حق لهم عليهم. والتعريف في ((المسألة)) إما للعهد، فيكون الكلام في الزكاة، وإما للجنس، فيشمل التطوع والفرض. وقرينة الأولي التفصيل، لأن تحمل الحمالة لا يكون إلا للغارم، وإصابة الجائحة للثمار إنما يتصور في المساكين، وإصابة الفاقة للفقير. فإن قلت: ما وجه تخصيص ((من أصابته الجائحة)) بالمساكين، و ((من أصابته الفاقة)) بالفقير، وقد عقب كل بقوله ((حتى يقيم* قوامًا من عيش) قلنا: الفرق ظاهر، فإن من أصابته الآفة السماوية، واستأصلت ثماره قد تبقى له الأرض والزرع، فيعطى ما يتقوم به من العيش، ولا يؤمر ببيع ما بقى وإنفاقه علي نفسه ولا يعنى بالمسكين إلا هذا. ومن ثم لم تطلب البينة في إصابة الجائحة لظهورها كما تطلب في إصابة الفاقة. وتبين من هذا الفرق بين الفقير والمسكين، فلما خصصت المسألة بالزكاة المفروضة، علم أن حكم التطوع غير هذا. فإن قلت: فلم خص هؤلاء بالذكر دون سائرهم؟ قلت: لاندراج البقية فيهم، فإذ الغارم، والغازى، والعامل، والمؤلفة قلوبهم يجمعهم معنى السعى في مصالح المسلمين، وأن الرقاب وابن السبيل من جنس الفقير والمسكين.

<<  <  ج: ص:  >  >>