قيل: يارسولَ اللهِ! وما يغنيه؟ قال:((خمسون درهمًا أو قيمتُها من الذهبِ)). رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي وابن ماجه، والدارمي [١٨٤٧].
١٨٤٨ - وعن سهلِ بنِ الحنظليَّة، قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ سألَ وعندَه ما يُغنيه فإِنَّما يَستكثِرُ منَ النَّارِ)). قال النُّفَيْليُّ، وهوَ أحدُ رُواتِه، في موضعٍ آخرَ: وما الغنِى الذي لا ينبَغي معَه المسألَةُ؟ قال:((قَدْرَ ما يُغدِّيهِ ويُعشيه)). وقال في موضعٍ آخرَ ((أنْ يكونَ له شبعُ يومٍ، أو لَيلةٍ ويوْمٍ)). رواه أبو داود [١٨٤٨].
ــ
والقاضى: أن الألفاظ مباينة المغزى، و ((أو)) للتنويع لا للشك. فالخدش: قشر الجلد بعود ونحوه، والخمش: قشره بالأظفار، والكدح: العض. وهي في أصلها مصادر، لكنها لما جعلت أسماء للآثار جوز جمعها. ولما كان السائل علي ثلاثة أصناف: مقل، ومفرط، ومتوسط، ذكر هذه الآثار الثلاثة المتفاوتة بالشدة والضعف، أوردها للتقسيم لا للارتياب.
قوله:((خمسون درهمًا)) ((قض)) الحديث بظاهره يدل علي أن من ملك خمسين درهمًا أو عدلها أو مثلها من جنس آخر، فهو غنى لايحل له السؤال وأخذ الصدقة. وبه قال ابن المبارك، وأحمد، وإسحاق رضي الله عنهم. والظاهر أن من وجد قدر ما يغديه ويعشيه علي دائم الأوقات وفي أغلب الأوقات، فهو غنى، كما ذكر في الحديث الذي بعده، سواء حصل له ذلك بكسب يد، أو تجارة، لكن لما كان الغالب عليهم التصرف والتجارة، وكان يكفي هذا القدر أن يكون رأس مال يحصل بالتصرف فيه ما يسد الحاجة في غالب الأمر قدره تخمينًا في هذا الحديث، وقدر في الحديث الثالث ما يقرب منه، وقال:((من سأل منكم وله أوقية أو عدلها)) والأوقية يومئذ أربعون درهمًا. فعلي هذا لا تنافي بينهما، ولا نسخ. وقيل: حديث ((ما يعيشه)) منسوخ بحديث ((الأوقية)) وهو بهذا الحديث، ثم هو منسوخ بما روى مرسلا أنه قال:((ومن سأل الناس وله عدل خمس أواق، فقد سأل إلحافًا)) وعليه أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله.
((مظ)): من كان له قوت غدائه وعشائه، لايجوز له أن يسأل في ذلك اليوم صدقة التطوع، وأما الزكاة المفروضة فيجوز للمستحق أن يسألها بقدر ما يتم له نفقة سنة لنفسه وعياله وكسوته؛ لأن تفريق الزكاة لا يكون في السنة إلا مرة.
الحديث الثالث إلي الخامس عن حبشى: قوله: ((فقر مدقع)) ((نه)): أي شديد يفضى بصاحبه إلي الدقعاء، وهي التراب. ((تو)): أي لايكون عنده ما ينفي به التراب.