فأتنِي به))، فأتاهُ به. فشدَّ فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عودًا بيدِه، ثمَّ قال:((اذهبْ فاحتطِبْ وبِعْ، ولا أَرَينَّكَ خمسةَ عشرَ يومًا)) فذهبَ الرجلُ يحتَطِبُ ويَبيعُ، فجاءَه وقد أصابَ عشرةَ دراهَم، فاشترى ببَعضها ثوبًا وببعضها طعامًا. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:((هذا خيرٌ لكَ منْ أنْ تجىءَ المسألَةُ نُكتْةً في وجهِكَ يومَ القيامةِ. إِنَ المسألةَ لا تَصلُحُ إِلا لثلاثةٍ: لذِي فَقرٍ مُدقعٍ، أو لذِي غُرْم مُفظعٍ، أوْ لذي دمٍ مُوجعٍ)) رواه أبو داود، وروى ابن ماجه إلي قوله:((يوم القيامةِ)) [١٨٥١].
١٨٥٢ - وعن ابنِ مسعودٍ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أصابتْه فاقَةٌ فأنزلَها بالناس؛ لم تُسدَّ فاقتُه. ومَنْ أنزلهَا بالله، أوْشكَ الله له بالغنى، إِمَّا بموتٍ عاجلٍ، أوْ غنى آجلٍ)). رواه أبو داود، والترمذى [١٨٥٢].
ــ
قاتل متحمل عليه الغرامة، ثم وصفه بالموجع كناية أخرى رمزية عن كون القاتل أخاه، إما من جهة القرابة أو الدين، كقوله تعالي:{فمن عفي له من أخيه شىءٌ} لأن وجع القلب مستلزم لقتل الشقيق.
الحديت السابع عن ابن مسعود: قوله: ((من أنزلها بالله)) قال في أساس البلاغة: نزل بالمكان، ونزل من علو، ومن المجاز نزل به مكروه، وأنزلتُ حاجتى علي كريم.
أقول: ففي الكلام استعارة تمثيلية؛ لأن الفاقة معنى، وقد نسبت إلي الإنزال، والإنزال يستدعي جسما ومكانًا، شبه حال الفاقة واستكفاء معرتها من الله تعالي بالتوكل عليه، والوثوق به بحال من اضطره المكروه إلي نزول مكان يلتجىء إليه، ثم استعمل في جانب المشبه ما كان مستعملا في المشبه به من الإنزال بالمكان ليكون قرينة مانعة عن إرادة الحقيقة. وفي معناه قوله تعالي:{ومن يتوكل علي الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره} وبلوغ أمره إما بموت عاجل أو غنى عاجل. ((تو)) المعنى: أوشك الله له بالغنى، أي أسرع غناه. الغناء - بفتح الغين – الكفايةُ، من قولهم: لايغنى غناء - بالمد والهمز - ومن رواه بكسر الغين مقصورًا علي معنى اليسار، فقد حرف المعنى؛ لأنه قال: تأتيه الكفاية عما هو فيه إما بموت عاجل أو غنى عاجل.
أقول: كذا في أكثر نسخ المصابيح، وجامع الأصول، وفي سنن أبي داود، والترمذى ((أو غنى آجل)) وهو أصح دراية كقوله تعالي: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله}.