١٨٨٩ - وعنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ما نقصَتْ صدقةٌ من مالٍ [شيئًا]، وما زادَ الله عبدًا بعفوٍ إِلا عِزًا، وما تواضعَ أحدٌ للهِ إِلا رفعَهُ اللهُ)). رواه مسلم [١٨٨٩].
ــ
لايزال يتعاهده ويتولي تربيته. ثم إن النتاج أحوج ما يكون إلي الترَّبية فطيما، وإذا أحسن القيام به وأصلحه، انتهي إلي حد الكمال. وكذلك عمل ابن آدم لاسيما الصدقة التي يجاذبها الشح، ويتشبث بها الهوى، ويقتفيها الرياء، فلا تكاد تخلص إلي الله إلا موسومة بنقائص لايجبرها إلا نظر الرحمن، فإذا تصدق العبد من كسب طيب، مستعد للقبول، فتح دونها باب الرحمة، فلا يزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال، ويوفيها حصة الصواب، حتى تنتهي بالتضعيف إلي نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدم من العمل، وقوع المناسبة بين التمرق والجبل.
أقول: قوله: ((من كسب طيب)) صفة مميزة لعدل تمرة ليمتاز الكسب الخبيث الحرام. وقوله:((ولا يقبل الله إلا الطيب)) جملة معترضة واردة علي سبيل الحصر بين الشرط والجزاء، تأكيدا، ومقرًا للمطلوب من النفقة، ولما قيد الكسب بالطيب أتبعه اليمين لمناسبة بينهما في الشرف، ومن ثم كانت يده اليمنى للطهور. وضرب المثل بالفلوّ الذي هو من كرائم النتاج، وأنه يفتلي، أي يفطم، وأنه أقبل للتربية من سائر النتاج؛ لأن الكسب الطيب من أفضل أكساب الإنسان، وأنه أقبل للمزيد، والمضاعفة. والخبيت الذي هو الحرام علي عكسه. قال الله تعالي:{يمحق الله الربا ويربى الصدقات} والله أعلم.
الحديت الثانى عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((مانقصت صدقة من مال)) ((من)) هذه يحتمل أن تكون زائدة، أي ما نقصت صدقة مالا، ويحتمل أن تكون صلة لـ ((نقصت)) والمفعول الأول محذوف، أي ما نقصت شيئًا من مال. ((مح)): ذكر فيه وجهان: أحدهما أن يبارك فيه، ويدفع عنه المفسدات، فينجبر نقص الصورة بالبركة الخفية، وهذا مدرك بالحس والعادة. والثانى: أنه وإن نقص صورة كان في الثواب المرتب علي نقصه زيادة إلي أضعاف كثيرة. وكذا في قوله:((وما زاد الله عبدًا بعفو)) وجهان: أحدهما أنه علي ظاهره، وأن من عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب، وزاد عزه وكرامته. والثانى: المراد أجره في الآخرة، وعزه هناك. وكذا في قوله:((وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)) وجهان: أحدهما يرفعه في الدنيا ويثبت له في القلوب بتواضعه منزلة، ويرفعه الله عند الناس ويجل مكانه. والثانى: المراد به ثوابه في الآخرة ورفعه فيها بتواضعه في الدنيا. قال العلماء: وهذه الأوجه في الألفاظ الثلاثة موجودة في العادة معروفة. وقد يكون المراد الوجهين معًا في جميعهما في الدنيا والآخرة.