للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٨٩٠ - وعنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((من أَنفقَ زوجينَ من شيءٍ من الأشياءِ في سبيل الله؛ دُعيَ من أبوابِ الجنَّةِ، وللجنَّةِ أبوابٌ. فَمَنْ كانً من أهل الصلاةِ دُعيَ من باب الصلاةِ، ومن كانَ من أهلِ الجهادِ دُعيَ من بابِ الجهاد، ومن كان من أهلِ الصَّدَقة دُعِي من باب الصدقةِ، ومن كانَ من أهلِ الصيامَ دُعيَ من بابِ الرَّيان)) فقال أبو بكرٍ: ما علي من دُعِيَ من تلكَ الأبواب من ضَرورةٍ، فهل يُدعى أحدٌ من تلكَ الأبوابِ كلَها؟ قال: ((نعم، وأرجو أن تَكون منهُم)). متفق عليه.

ــ

الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه قوله: ((من أنفق زوجين)) ((تو)): فسر بدرهمين، أو دينارين، أو مدين من طعام، وما يضاهي تلك الأشياء. ويحتمل أن يراد به تكرار الإنفاق مرة بعد أخرى، أي يتعود ذلك ويتخذه دأبًا، نحو قوله تعالي: {فارجع البصر كرتين})). وفي الغريبين عن أبي ذر: ((من أنفق من ماله زوجين في سبيل الله ابتدرته حجبة الجنة. قيل: وما زوجان؟ قال: فرسان، أو عبدان، أو بعيران من إبله)).

أقول: هذا هو الوجه إذا حملت التثنية علي التكرير؛ لأن القصد من الإنفاق التثبيت من الأنفس بإنفاق كرائم الأموال والمواظبة عليه، كما قال تعالي: {مثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتًا من أنفسهم} أي ليثبتوا منها ببذل المال الذي هو شقيق الروح، وبذله أشق شيء علي النفس من سائر العبادات الشاقة. قوله: ((في سبيل الله)) ((مح)): قال القاضي عياض: قيل: هو علي العموم في جميع وجوه الخير، وقيل: هو مخصوص بالجهاد، والأول أصح وأظهر.

قوله: ((ما علي من دعى)) ((مظ)): ((ما)) نفي و ((من)) في ((من ضرورة)) زائدة، أي ليس ضرورة علي من دعى من تلك الأبواب، إذ لو دعى من باب واحد يحصل مراده، وهو دخول الجنة، ومع أنه لا ضرورة عليه في أن يدعى من جميع الأبواب، فهل أحد يدعى من جميع الأبواب؟ وذكر الشيخ التوربشتى هذا الوجه، وقال: وفي رواية: قال أبو بكر: ((يا رسول الله! ذلك الذي لاتوى عليه))، أي لاضياع عليه ولا خسارة. ((مح)): ((لاتوى)) - بفتح المثناة فوق مقصورًا - أي لا هلاك.

أقول: هذه الرواية تستدعى أن يؤول قوله: ((من ضرورة)) إلي ضررٍ، والمقام أيضًا لا يقتضيه؛ لأن قوله: ((وللجنة أبواب)) وارد علي سبيل الاستطراد لقوله: ((دعى من أبواب الجنة)) فخص كل باب بمن أكثر نوعًا من العبادة، فلما سمع الصديق رضي الله عنه، رغب في أن يدعى من كل الأبواب، وقال: ليس علي من دعى من تلك الأبواب ضرر وتوى، بل له تكرمة

<<  <  ج: ص:  >  >>