للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٨٩١ - وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح منكم اليومَ صائمًا؟)) قال أبو بكر: أنا. قالَ: ((فمنْ تبعَ منكم اليومَ جَنازة؟)) قال أبو بكر: أنا. قال: ((فمَنْ أطعَمَ منكم اليومَ مسكينًا؟)) قال أبو بكر: أنا. قال: ((فمن عادَ منكمِ اليومَ مريضًا؟)) قال أبو بكر: أنا. فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((ما اجتمَعْنَ في امرِىءٍ، إلا دخلَ الجنَّة)). رواه مسلم.

ــ

وإعزاز، فهل أحد منا يختص بتلك الكرامة؟ فأجيب: نعم إلي آخره. وقريب منه ما روى: أن أبا الدرداء كان يغرس غرسًا وهو شيخ، فقيل له فأجاب: وما علي أن يكون لي أجرها، ويأكل منها غيرى. هكذا ينبغى أن يؤول؛ لأن سؤاله رضي الله عنه: ((فهل يدعى أحد من تلك الأبواب)) بعد ما سمع قوله: ((من أنفق زوجين دعى من أبواب الجنة)) لا يستقيم إلا بهذا التأويل؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه علم من ذلك أن أحدًا قد يدعى من جميع الأبواب. ولما كان السؤال عن الاختصاص، طابقه الجواب بقوله: ((أرجو أن تكون منهم)).

فإن قلت: لم خص كل باب باسم العبادة المختصة به، وكنى عن الصيام بالريان؟ قلت: بما يدلي الصوم إلي النسبة إلي الله في قوله: ((الصوم لي) وعلله بقوله: ((يترك طعامه وشرابه)) وخص الشراب بالذكر؛ لكونه أهم حينئذ. وفيه إشارة إلي قوله تعالي: {وسقاهم ربهم شرابًا طهورًا} وقال الحربى: إن كان الريان اسمًا للباب فلا كلام فيه، وإلا فهو من الرواء الذي يروى، يقال: روى يروى فهو ريان. والمعنى: أن الصائم بتعطيشه نفسه في الدنيا، يدخل من باب الريان ليأمن من العطش.

الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((قال أبو بكر: أنا)) ((تو)): ذهب طائفة من أهل العلم وفرقة من الصوفية إلي كراهة إخبار الرجل عن نفسه بقوله: ((أنا) حتى قال بعض الصوفية: كلمة أنا لم تزل مشيءومة علي أصحابها، وأشار هذا القائل إلي أن إبليس إنما لعن لقوله: ((أنا)) وليس الأمر علي ما قدر، بل الذي نقض عليه أمره: هو النظر إلي نفسه بالخيرية، ونحن لاننكر إصابة الصوفية في دقائق علومهم وإشاراتهم في التبرى عن الدعاوى الوجودية. ولكنا نقول: إن الذي أشاروا إليه بهذا القول راجع إلي معان تعلقت بأحوالهم دون ما فيه من التعلق بالقول، كيف وقد ناقض ظاهر قولهم هذا نصوصًا كثيرة، وهم أشد الناس فرارًا عن جميع ما يخالف الكتاب والسنة، ولم يأت القوم في الكرامة بمتمسك إلا بحديث جابر رضي الله عنه ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان علي أبي، فدققت الباب، فقال: من ذا؟ فقلت: أنا، فقال: أنا أنا، كأنه كرهها)) وهو حديث صحيح. وقد أورده مؤلفه هذا الكتاب في باب الاستئذان، ولو أخذنا بظاهر الحديث كنا كمن حفظ بابًا وضيع أبوابًا كثيرة، وأنى يصح

<<  <  ج: ص:  >  >>