١٨٩٢ - وعنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((يانساءَ المسلماتِ! لا تحقِرَنَّ جارةً لجارَتِها ولو فِرْسَنَ شاةٍ)). منفق عليه.
ــ
القول بظاهر هذا الحديث؟ وقد وجدنا فيما حكى عن أنبياء الله في كتابه أنهم كانوا يستعملونها في كتابة كلامهم، ولا سيما فيما أمر الله به رسوله، نحو قوله تعالي:{إنما أنا بشر مثلكم}. وقوله:((وأنا أول المسلمين))، وقوله:{وما أنا من المتكلفين} وقوله: {ولا أنا عابد ما عبدتم}، وقد قال صلى الله عليه وسلم:((أنا سيد ولد آدم، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، وأنا أول شافع، وأنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الحاشر، وأنا الماحي، وأنا المقفي)) إلي غير ذلك من الآيات والأحاديث. وقد تلفظ بها السابق بالخيرات صديق هذه الأمة رضي الله عنه بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم كرة بعد أخرى، فلم ينكر عليه؛ فلا وجه إذًا للذهاب إلي كراهة ذلك، ونظرنا إلي حديث جابر، فوجدناه قد ذكر الكراهة علي سبيل الحسبان، ثم إنه لم يصرح بالأمر المكروه، فالوجه أن نقول: رأينا النبي صلى الله عليه وسلم استعمله ليخبر عن نفسه، فيعرف من الوارد عليه، فيرتفع الإبهام، فلما قال: أنا، لم يأت بجواب تفيده المعرفة، بل بقى الإبهام علي حاله، فكره ذلك للمعنى الذي ذكرناه لا لتلفظه بتلك الكلمة. فلو قال: أنا جابر، لم يكن صلى الله عليه وسلم ليكره قوله، أو ينكر عليه.
وأقول: لعل ذلك يتفاوت بتفاوت الأحوال والمقامات، فمن كان مترددًا في الأحوال، ومتحولاً في الفناء والتلوين، ينافي حاله أن يقول:((أنا)) وأما إذا ترقى إلي مقامات البقاء بالله تعالي وتصاعد إلي درجات التمكين، فلا يضره أن يقول:((أنا))، ومقامات الأنبياء والصديقين مقامات تمكين، وتكميل للناقصين، والله أعلم.
الحديت الخامس عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((يا نساء المسلمات)) ((مح)): في إعرابه ثلاثة أوجه: أصحها نصب النساء وجر المسلمات علي الإضافة، وهو من إضافة الموصوف إلي صفته، والعام إلي الخاص، كمسجد الجامع، وجانب الغربي، ولدار الآخرة. يجوزه الكوفيون، والبصريون يقدرون محذوفًا، أي مسجد المكان الجامع، وجانب المكان الغربى، ولدار الحياة الآخرة، ويقدر هنا: يا نساء الطوائف المسلمات. وقيل: تقديره: يا فاضلات المسلمات، كما يقال: هؤلاء رجال القوم، أي ساداتهم. والوجه الثانى: رفعهما، قال الباجى: هكذا يروى أهل بلدنا. الثالث: رفع نساء وكسر المسلمات علي أنه منصوب علي الصفة علي المحل، كما يقال: يا زيد العاقل والعاقل.
قوله:((لا تحقرن جارة)) ((تو)): هذا اختصار لمعرفة المخاطين بالمراد منه؛ أي لا تحقرن أن