للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦٦ - وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا؛ فليقل: آمنت بالله ورسله)). متفق عليه.

ــ

الأول: أن العلم باستغنائه تعالى عن المؤثر والموجد أمر ضروري، لا يقبل الاحتجاج والمناظرة له وعليه، فإن وقع من ذلك شيء كان من وسوسة الشيطان، لأنه مسلط في باب الوسوسة، ووساوسه غير متناهية، فمهما عارضته فيما يوسوس بحجة يجد مسلكا آخر إلى ما ينفيه من المغالطة والتشكيك، وأدنى ما يفيده من الاسترسال في ذلك إضاعة الوقت، فلا تدبير في دفع ذلك أقوى وأحسن من الاسعاذة بالله تعالى، قال الله تعالى: {وإمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}.

وثانيهما: أن السبب في اعتوار أمثال ذلك احتباس المرء في عالم الحس، وما دام هو كذالك لا يزيد فكره، إلا انهماكا في الباطل، وزيغا عن الحق، ومن كان هذا حاله فلا علاج له إلا الالتجاء إلى الله تعالى للاعتصام بحوله وقوته بالمجاهدة والرياضة؛ فإنهما مما يزيل البلادة، ويصفي الذهن، ويزكي النفس.

الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((يتساءلون)) التساؤل جريان السؤال بين اثنين فصاعدا، ويجوز بين العبد، والشيطان، أو النفس، أو إنسان آخر، ويجري بينهما السؤال في كل نوع، حتى يبلغ إلى أن يقال هذا.

قوله: لفظ ((هذا)) ((تو)): لفظ ((هذا)) يصرف على وجهين: أحدهما: أن يكون مفعولا، والمعنى: حتى يقال هذا القول، والآخر: أن يكون مبتدأ قد حذف خبره، أي هذا القول أو قولك هذا قد علم أو عرف. رواه مسلم في كتابه على هذا السياق عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه أيضا عن أنس، وفي روايته ((حتى يقال: هذا الله، خلق الخلق)) كذلك رواه البخاري في كتابه عن أبي هريرة، والحديث على هذا السياق محتمل لوجه آخر سوى الوجه الذي ذكرناه أولا، وهو أن يقول: ((هذا الله)) مبتدأ وخبر، أو ((هذا)) مبتدأ و ((الله)) عطف بيان و ((خلق الله الخلق)) خبره. وأكثر رواة هذا الحديث يرونه على هذا السياق، فيرجح إذا على السياق المذكور في كتاب المصابيح، وإن كان كلاهما من جملة الصحاح.

أقول: قوله: ((هذا)) مبتدأ قد حذف خبره، أولى الوجوه، لكن تقديره على غير ما ذكره وذلك بأن يقال: هذا مقرر أو مسلم، وهو أن الله تعالى ((خلق الخلق)) فما تقول في ((الله))؟ فإن الله شيء، وكل شيء مخلوق، فمن خلقه؟ فعلى هذا الفاء رتبت ما عدها على ما قبلها. وقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>