للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦٧ - وعن ابن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة)). قالوا: وإياك يا رسول الله؟

قال: ((وإياي، ولكن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير)). رواه مسلم. [٦٧]

ــ

((خلق الله الخلق)) بيان لقوله: هذا مسلم، وبهذا المعنى لا يستقيم على أن يقال: ((إن هذا مقول، وما بعده بيان له؛ لأن الفاء تدفعه. ووجه آخر: وهو أن يقدر: هذا القول مقرر، فوضع ((خلق الله الخلق)) موضع القول، كقوله تعالى: {وَإذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} أي وإذا قيل لهم هذا القول؛ لأن (لا تفسدوا): فعل، لا يقع مفعولا إلا على التأويل. وهذا القول كفر فمن تكلم به فليتداركه بكلمة الإيمان وليقل: آمنت بالله خالق كل شيء، وليس بمخلوق، لا يتصور كنهه وهم وخيال، ولا يحضره فهم ومثال.

الحديث الخامس عن ابن مسعود: قوله: ((قالوا: وإياك)) ((شف)): اللائق بهذا المضمر المنفصل أن يكون صيغة المرفوع المنفصل فيقال: ((وأنت يا رسول الله)) فيقو عليه الصلاة والسلام: ((وأنا)) لكن إقامة كل واحد من الضمير المرفوع والمنصوب المتصلين مقام الآخر شائع. فمن الأول قوله صلى الله عليه وسلم: ((من خرج إلى تسبيح الضحى، لا يبعثه إلا إياه)) والقياس إلا هو. ومن الثاني قوله عليه الصلاة والسلام في حديث الوسيلة: ((فأرجو أن يكون أنا هو)).

أقول: ويمكن أن يقال: إنه عليه الصلاة والسلام لما قال: ((وما منكم من أحد)) الخ سألوا ((وإياك)) يعني أيضا في هذا الخطاب، فقال: نعم! وإياي؛ لأن الخطاب عام لا يختص بالمخاطبين من الصحابة، بل كل من يصح أن يخاطب به، فهو داخل فيه، كأنه قيل: ((ما منكم يا بني آدم من أحد إلا وقد وكل به)) ونظيره القذة بالقذة.

قوله: ((ما من بني آدم مولود إلا يمسه)) وقوله تعالى: {فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} والخطاب للناس. قوله: ((فأسلم)) في جامع الترمذي: قال ابن عيينة: ((فأسلم)) بالضم أي أسلم أنا منه، والشيطان لا يسلم. وفي جامع الدارمي: قال أبو محمد: ((أسلم)) بالفتح أي استسلم وذل. وذهب الخطابي إلى الأول، والقاضي عياض المغربي إلى الثاني، وهما روايتان مشهورتان. بقول ويعضد قول من قال: ((اسلم)) بمعنى استسلم وذل، ما رواه الشيخان في حديث أبي هريرة: ((أن عفريتا من الجن تلفت البارحة، ليقطع علي صلاتي، فأمكنني الله منه فأخذته، فأردت أن أربطه إلى سارية من ساري المسجد)) الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>