٦٨ - وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم)). متفق عليه.
ــ
وقول من قال:((لا يأمرني إلا بخير)) يدل على إسلامه؛ لأنه لو لم يسلم فكيف يأمره بالخير؟ ليس بقوي؛ لما روى البخاري في حديث أبي هريرة:((وكله رسول الله صلى الله عليه وسلم لحفظ زكاة رمضان)) وساق الحديث. ((فأخذته)) يعني: أخذ أبو هريرة الشيطان ((فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم – إلى قوله – أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: ما هن؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي؛ فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك الشيطان حتى تصبح – إلى قوله صلى الله عليه وسلم – أما أنه قد صدقك، وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث يا أبا هريرة؟ قلت: لا، قال: ذاك الشيطان)) وكذا قول من قال: ((إن الشيطان لا يسلم)) ضعيف.
((تو)): إن الله هو القادر على كل شيء، ولا يستبعد من فضله ورحمته أن يخص نبيه عليه الصلاة والسلام بهذه الكرامة، يعني إسلام قرينه وبما هو فوقها. قوله:((فلا يأمرني إلا بخير)) أي لا يدلني إلا على خير، كما تقدم في حديث أبي هريرة. وأما قوله:((وقرينه من الملائكة)) فليس في المصابيح، لكن ذكره الحميدي في كتابه، والصنعاني في المشارق عن مسلم.
الحديث السادس عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((يجري من الإنسان)) عدى ((يجري)) بمن على تضمين معنى التمكن، أي يتمكن من الإنسان في جريانه في عروقه مجرى الدم. قوله:((مجرى)) يجوز أن يكون مصدرا ميميا، وأن يكون اسم مكان، وعلى الأول تسبيه، شبه كيد الشيطان وجريان وساوسه في الإنسان بجريان دمه في عروقه، وجميع أعضائه، والمعنى: أن الشيطان يتمكن في إغواء الإنسان وإضلاله تمكنا تاما، ويتصرف فيه تصرفا لا مزيد فيه.
وعلى الثاني: يجوز أن يكون حقيقة، فإنا لا ننكر أن الله قادر على أن يخلق أجساما لطيفة يسري في بدن الإنسان سريان الدم فيه؛ فإن الشياطين مخلوقة من نار السموم، والإنسان من صلصال وحمإ مسنون، والصلصال فيه نارية، وبه يتمكن من الجريان في أعضائه، يدل عليه ما روى البخاري تعليقا عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس)) وأن يكون مجازا، يعني: أن كيد الشيطان ووساوسه يجري في الإنسان حيث يجري فيه الدم من عروقه وأبشاره فالشيطان إنما يستحوذ على النفوس، وينفث وساوسه في القلوب بواسطة النفس الأمارة بالسوء ومركبها الدم ومنشأ قواها منه، فعلاجه سد المجاري بالجوع والصوم؛ لأنه يقمع الهوى، ويردع الشهوات التي هي من أسلحة الشيطان، فالشبع مجلبة للآثام، منقصة للإيمان مشوشة للأفكار.