فقال:((أنا رسولُ الله، الذي إِن أصابكَ ضٌر فدعوتَه كشفَهُ عنك، وإِنْ أصابكَ عامُ سنة، فدعوتَهُ أنبَتَها لك، وإِذا كنتَ بأرضٍ قفر أو فلاةٍ فضلَّتْ راحلتُكَ فدعوتَه ردَّها عليك)). قلت: اعْهَد إِليّ - قال:((لا تسُبن أحداً)) قال: فما سَبَبْتُ بعدَهُ حراً ولا عبداً، ولا بعيراً ولا شاة. قال:((ولا تَحقرَن شيئاً من المعروف، وأنْ تُكلمَ أخاكَ وأنتَ منَبسط إِليه وجْهُك؛ إِن ذلكَ من المعروفِ. وارفَع إِزارَك إِلي نصف الساق، فإِنْ أبيتَ فإِلي الكَعبينِ، وإِياكَ وإِسبالُ الإِزار؛ فإِنَّها منَ المخيلَةِ، وإِنَّ اللهَ لا يحبُّ
ــ
العادة منهم في تحية الأموات، إذ كانوا يقدمن الدعاء علي اسم الميت قال الشاعر:
عليك سلام الله قيس بن عاصم ... ورحمته ما شاء أن يترحما
وقال آخر
عليك سلام من أمير وباركت
فالسنة لا تختلف في تحية الأحياء والأموات. وهو من كلام الخطابي.
((تو)): لم يرد بذلك أن الميت ينبغي أن يسلم عليه علي هذه الصيغة، فإنه كان يسلم علي الموتى فيقول:((السلام عليكم ديار قوم مؤمنين)) وإنما أراد بذلك أن قولك هذا مما يحي به الأموات لا الأحياء؛ لأن الحي شرع له أن يسلم علي صاحبه، وشرع لصاحبه أن يرد عليه، فلا يحسن أن يوضع ما وضع للجواب موضع التحية، ولا ينكر ذلك في الأموات، إذ لا جواب هنالك، فاستوت التحيتان في حقهم. ثم إن السلام شرع لمعان: أحدها المسارعة إلي أمان المسلم عليه مما يتوهم من قبل المسلم من مكروه، وإذا قال: عليك السلام لم يحصل له الأمن حصوله بتقديم السلام، ىشتباه الحال علي المسلم عليه، في الدعاء له والدعاء عليه، حتى يذكر السلام، وإذا قدم السلام تبين له الأمن في أول الوهلة، ولا مدخل لشيء مما ذكرنا في تحية الأموات.
أقول: يفهم من كلام جامع الأصول أن النهي معلل بفعل الجاهلية، فلا يستعمل في الأحياء ولا الأموات، ثم هذا النهي إما نهي تنزيه، أو تحريم. ((مح)): يحتمل أن يكون هذا الحديث وارداً في بيان الأحسن والأكمل، ولا يكون المراد أن هذا ليس بسلام. والمختار أنه يكره الابتداء بهذه الصيغة؛ فإن ابتدأ وجب الجواب؛ لأنه سلام.
أقول: والوجه في الكراهة ما ذكره الخطابي، وما ذهب إليه الشيخ التوربشتى ضعيف؛ لأن قولك:((عليك السلام)) من باب تقديم الخبر علي المبتدأ للاختصاص، كأن المسلم عليه استشعر من المسلم الخوف، فتردد بين السلامة والعطب، فخص بأن ليس عليه إلا السلامة.
قوله:((أنا رسول الله الذي إن أصابك ضر)) إلي آخره، فإن قلت: كيف طابق هذا الجواب