١٩٢٤ - عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبدٍ مُسلم يُنفِقُ من كل مالٍ لهُ زوجينِ في سبيلِ اللهِ، إِلا استقبلَتْهَ حجَبَةُ الجنةِ، كلُّهم يدعوه إِلي ما عندهَ)). قلت: وكيفَ ذلك؟ قال:((إِن كانَتْ إِبلاً فبعيرينِ، وإِنْ كانت بقرةً فبقرتين)). رواه النسائي. [١٩٢٤].
ــ
طبائعها ومقتضيات جبلتها، فإن الأرض طبيعتها الثقل، والرسوب، وإمساك الجبال الأرض ليس يعجب وإن تعجبت الملائكة منه؛ لأنه من طبيعتها وجبلتها. وعلي هذا تأثير النار في الحديد، والحديد في الجبال، وكذا إطفاء الماء النار، وتصرف الريح في السحاب الحامل للماء، وتفريقها في الآفاق، وتموج البحر وهيجانه كلها من طبائعها. وأما الإنسان فمن جبلته القبض والبخل الذي هو من طبيعة الأرض، ومن جبلته الاستعلاء والتفوق علي الغير، وطلب انتشار الصيت في الآفاق، وهما من طبيعتي النار والريح، فإذا خالف راغم طبيعته، وخالف جبلته، كان أشد من الجميع، ومن ثم فضل علي سائر المخلوقات. وما يرى فيه من النقائص كالشهوة والحرص والبخل، فهي مواد الكمال ومبادئها؛ فإن العفة نتيجة الشهوة، والسخاء نتيجة البخل، لأنها بين طرفي الإفراط والتفريط من التبذير والإمساك، والحرص نتيجة الترقي إلي منتهي بغيته. وروى الشيخ المرشد نجم الدين البكري - قدس الله سره - في ((فواتح الجمال)) عن الشيخ أبي الحسن الخرقإني قال: صعدت إلي العرش، فطفته ألف طوفة، ورأيت الملائكة يطوفون مطمئنين، فعجبوا من سرعة طوافي، فقلت: ما هذه البرودة في الطواف؟ فقالوا: نحن ملائكة أنوار لا نقدر أن نجاوزه، فقالوا: وما هذه السرعة؟ فقلت: أنا آدمي، وفيَّ نار ونور، وهذه السرعة من نتائج نار الشوق.
الفصل الثالث
الحديث الأول عن أبي ذر رضي الله عنه: قوله: ((وكيف ذلك)) فإن قلت: ظاهر السؤال عن حقيقة الزوجين، فيقتضي أن يسأل بما. قلت: بل السؤال عن كيفية الإنفاق مما يتملكه بالعدد المخصوص. وينصره جزاء الشرط؛ لأن التقدير: فينفق بعيرين. وقوله ((كانت إبلاً)) اسم ((كان)) راجع إلي كل مال باعتبار الجماعة، أو باعتبار الخبر، فإن الإبل جنس، كقولهم:((من كانت أمك)).
الحديث الثاني عن مرثد بن عبد الله: قوله: ((إن ظل المؤمن)) هو من التشبيه المقلوب المحذوف