للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٩٢٣ - وعن أنسٍ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((لما خَلقَ اللهُ الأرضَ جعلَتْ تَميدُ، فخلقَ الجِبالَ، فقال: بها عليها؛ فاستقرَّتْ، فعجِبتِ الملائكةُ منْ شدَّة الجبِالِ. فقالوا: ياربِّ! هلْ منْ خلقكَ شيءٌ أشدُّ من الجبِالِ؟ قال: نعمْ الحديدُ. فقالوا: ياربِّ! هل من خلقك شيءٌ أشدُّ منَ الحديد؟ قال: نعم، النّار. فقالوا: ياربِّ! هل من خلقِك شيءٌ أشدُّ من النَّارِ؟ قال: نعمْ، الماءُ. فقالوا: ياربِّ! هلْ من خَلقكَ شيءٌ أشدُّ منَ الماءِ؟ قال: نعمْ، الرِّيحُ. فقالوا: ياربِّ! هلْ منْ خَلقكَ شيءٌ أشدُّ منَ الرِّيحِ؟ قال: نعمْ، ابنُ آدمَ تصدَّقَ صدَقةً بيميِنه يخُفيها منْ شِماله)). رواه الترمذي، وقال: هذا حديثٌ غريب.

وٌذِكر حديثُ معاذ: ((الصَّدفةُ تُطفئُ الخطيئةَ)) في ((كتاب الإِيمان)). [١٩٢٣].

ــ

الحديث السابع عشر عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((فقال بها عليها)) وقد مر مراراً أن القول يعبر به عن كل فعل، وقرينة اختصاصه اقتضاء المقام، فالتقدير: ألقى بالجبال علي الأرض، كما قال تعالي: {وألقى في الأرض رواسيَ أن تميد بكم} فالباء زائدة في المفعول، كما في قوله تعالي: {ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة} وإيثار القول علي الإلقاء والإرسال؛ لبيان العظمة والكبرياء، وأن مثل هذا الأمر العظيم يتأتى من عظيم قدرته بمجرد القول. وقوله: ((جعلت تميد)) أي طفقت تتحرك.

قوله: ((قال: نعم ابن آدم تصدق صدقة)) ((تو)): اعلم أن الصدقة إنما كانت أشد وأقوى؛ لأن نفس الإنسان جبلت علي غرائز لا يلينها شيء من تلك الأجرام الشديدة فهي أشد من كل شديد، ومن طبعها إيثار السمعة الموجبة للشهرة، فإذا سخرها صاحبها، واستولي عليها بحيث رضيت بإخفاء الصدقة - وهي طالبة لشهرتها وإظهارها طبعاً - كان صاحبها أشد من الريح.

((مظ)): كون تصدق بني آدم سراً أشد من الريح، إما لعظم ثوابه، وإما لأنه مخالفة النفس وقهر الشيطان، وهذان الوصفان أعظم أيضاً من هذه الأشياء، وإما لأنه يحصل مرضات الله تعالي. ((شف)): وإنما كان التصدق أشد؛ لأن صدقة السر تطفئ غضب الرب، وغضب الله تعالي لا يقابله شيء في الصعوبة والشدة.

وأقول - وبالله التوفيق -: ولأمر ما سمى الله سبحانه وتعالي كلام نبيه وحبيبه صلوات الله وسلامه عليه بالحكمة في قوله تعالي: {ويعلمهم الكتاب والحكمة} وإن شئت فتأمل في هذا الكلام الجامع الذي لا مطمح وراءه، فإنه صلوات الله عليه ذكر العناصر الأربعة وبين

<<  <  ج: ص:  >  >>