والذي أعطاهَ. وقومٌ سارُوا ليلتَهم حتى إِذا كانَ. النَّومُ أحبَّ إليهم مما يُعْدَلُ به، فوضَعوا رُؤوسهم، فقامَ يتَملَّقُني ويتلو آياتي. ورجل كانَ في سرية، فلَقَي العدُوَّ، فهُزموا، فأقبلَ بصدره حتى يُقتلَ أو يُفتحَ له. والثلاثةُ الذينَ يَبغُضُهم اللهُ: الشَّيخُ الزَّإني، والفقيرُ المختالُ، والغَنيُّ الظَّلومُ)). رواه الترمذي، والنسائي. [١٩٢٢].
ــ
أقول: ويمكن أن يقال: إن متعلق الفعل محذوف، والباء حال، أي فتخلف عنهم مستتراً بظللهم وأشخاصهم، بولغ فيه كما بولغ في قوله:((حتى لا يعلم شماله ما تنفق يمينه)).
((مظ)): وإنما أحبه الله؛ لأنه عظم اسم الله تعالي، وتصدق سراً، فحصل له فضيلتان، ولأنه خالف أصحابه حيث اجترؤوا ولم يعظموا اسم الله تعالي، ولم يعطوا السائل شيئاً.
قوله:((وقوم)) عطف علي قوله: ((رجل أتى قوماً)) علي تقدير صاحب قوم، فيكون فاعل ((قام)) في قوله: ((قام يتملقني)) عائداً إلي هذا المقدر. قوله:((مما يعدل به)) ((مظ)): أي مما يقابل بالنوم، يعنى يغلب عليهم النوم، حتى صار النوم أحب إليهم من كل شيء.
أقول: ولا ارتياب أن سيرهم ذلك وإدلاجهم كان للفوز بمطلوب خطير، فاستأثر لذلك الرقاد علي الهجود، فبلغ الأمر إلي أن رجحوا جانب النوم علي ما استأثروا عليه.
قوله:((ويتملقني)) ((نه)): التملق تفعل من الملق، وهو – بالتحريك - الزيادة في التودد، والدعاء، والتضرع فوق ما ينبغي. ((شف)): في أول نظم هذا الحديث شيء، وهو أن أوله يرشد إلي أنه قول النبي صلى الله عليه وسلم، وآخره وهو قوله:((قام يتملقني)) يؤذن بأنه من كلام الله تعالي.
أقول: لا شك أن هذا المقام مقام مناجاة بين العبد ومولاه، وفي التملق نوع دلال ومناغاة بين المحب والمحبوب، فلابد أن يجري بينهما أسرار، فحكي الله تعالي لنبيه ما جري بين الله تعالي وبين عبده، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكى قول الله تعالي وما تلفظ به، لا معناه، إذ لو أراد المعنى لقال: قام يتملق الله ويتلو آياته. وليس هذا من الالتفات في شيء، وفي كل واحدة من الفقرات الثلاث تتميمات ينتهي إليها المعنى إلي النهاية في بابه، ففي إعطاء الرجل السائل بعد منع القوم إياه غاية في الإخلاص والجود، وفي قيام الرجل من بين القوم مع محبة النوم غاية في طلب القرب والزلفي من الله تعالي، وفي استقبال الرجل العدو من بين المنهزمين، ثم إقدامه بصدره غاية في الجرأة، وبذل النفس في سبيل الله تعالي؛ وعلي هذا الفقرات الآتية، فإن الزنى فاحش من كل أحد، ومن الشيخ أفحش، وإن الخيلاء مذمومة من كل أحد، ومن الفقير أذم، وإن الظلم قبيح، ومن الغني أقبح. وأراد بالظلم المطل، لشهرة المثل السائر: مطل الغنى ظلم.