للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

١٩٥٩ - وعنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ عملِ ابنِ آدم يُضاعَفُ الحسَنةُ بعشر أمثالِها إلي سبعمائة ضعفٍ، قال اللهُ تعالي: إلا الصومَ فإنَّهُ لي وأنا أجزي به، يدَعُ شهوتَه وطعامَه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحةٌ غندَ فطرِهِ، وفرحةٌ عندَ لقاءِ

ــ

جواب الشرط ((فقد صغت قلبوكما)) من حيث الإخبار، كقولهم: إن تكرمني اليوم فقد أكرمتك أمس، فالإكرام المذكور شرط، وسبب للإخبار بالإكرام الزاقع من المتكلم، لا نفس الإكرام. فعلي هذا يحمل الجواب في الآية أي إن تتوبا إلي الله يكن سبباً لذكر هذا الخبر، وهو ((فقد صغت) وصاحب المفتاح أول المثال بقوله: فإن تعتد بإكرامك لي الآن، فاعتد بإكرامي إياك أمس، وتأويل الحديث من يقم ليلة القدر فليحتسب قيامه، وليعلم أن الله قد حكم بغفرانه قبل.

الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((يضاعَفُ الحسنةُ)) ((قض)): لما أراد بقوله: ((كل عمل)) الحسنات من الأعمال، وضع الحسنة في الخبر موضع الضمير الراجع إلي المبتدأ. ((وإلا)) مستثنى عن كلام غير محكى دل عليه ما قبله، والمعنى أن الحسنات يضاعف جزاؤها من عشر أمثالها إلي سبعمائة إلا الصوم، فإن ثوابه لا يقادر قدره، ولا يقدر إحصاؤه إلا الله، فلذلك يتولي جزاءه بنفسه، ولا يكله إلي ملائكته، والموجب لاختصاص الصوم بهذا الفضل أمران: أحدهما: أن سائر العبادات مما يطلع عليه العباد، والصوم سر بينه وبين الله تعالي، يفعله خالصاً لوجه الله تعالي، ويعامله بها طالباً لرضاه، وإليه أشار بقوله: ((فإنه لي)).

وثإنيهما: أن سائر الحسنات راجعة إلي صرف المال واشتغال البدن بما فيه رضاه، والصوم يتضمن كسر النفس، وتعريض البدن للنقصان والتحول، مع ما فيه من الصبر علي مضض الجوع وحرقة العطش، فبينه وبينها أمد بعيد، وإليه أشار بقوله: ((يدع شهوته وطعامه لأجلي)).

أقول: بيان الوجه الثاني: أن قوله: ((يدع شهوته، وطعامه)) جملة متأنفة واردة بياناً لموجب الحكم. وأما قوله: ((وإلا مستثنى عن كلام غير محكى)) فيمكن أن يقال عليه: إنه مستثنى من ((كل عمل ابن آدم)) وهو مروى عن الله تعالي يدل عليه قوله: ((قال الله تعالي)) ولما لم يذكر هذا في صدر الكلام أورده في وسطه بياناً، وفائدة البيان بعد الإبهام تفخيم شأن الكلام، وأنه صلى الله عليه وسلم {مَا ينطقُ عن الهَوى إِنْ هُوَ إِلا وَحْى يُوْحَى} وكذا أراد بقوله: ((كل عمل ابن آدم)) الحسنات منه لا السيئات، فبين في الخبر أن المراد منه الحسنات دلالة علي أن المعتد به من الأعمال الحسنات، ولو قيل: حسنات ابن آدم تضاعف بعشر أمثالها، لم يكن بهذه المثابة.

قوله: ((للصائم فرحتان)) ((مظ)): تحتمل الفرحة الأولي أمرين: فرح نفسه بالأكل والرب، وفرحها بوجدانه التوفيق لإتمام الصوم، والخروج عن العُهدة، والفرحة الثانية: نيل

<<  <  ج: ص:  >  >>