للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٠٩٩ - وعن أبي هريرةَ، قال: كانَ يُعرض علي النبي صلى الله عليه وسلم القرآنُ كلَّ عام مرَّةً، فعُرِضَ عليه مرَّتينِ في العام الذي قُبضَ، وكانَ يعتكِفُ كلَّ عامٍ عشرًا، فاعتكفَ عشرينَ في العامِ الذي قُبضَ. رواه البخاري.

ــ

وكان صلى الله عليه وسلم يجود علي كل واحد منهم بما يسد خلته، وينقع غلته، ويشفي علته، وذلك المراد من قوله: ((أجود بالخير من الريح المرسلة)).

((مظ)): ((ما)) في ((ما يكون)) مصدرية، وهو جمع؛ لأن أفعل التفضيل إنما يضاف إلي جمع. والتقدير: وكان أجود أكوانه في رمضان. وأقول: لا نزاع في أن ((ما)) مصدرية، والوقت مقدر، كما في مقدم الحاج، والتقدير: كان أجود أوقاته وقت كونه في رمضان، فإسناد الجود إلي أوقاته صلى الله عليه وسلم كإسناد الصوم إلي النهار، والقيام إلي الليل في قولك: نهاره صائم وليله قائم. وفيه من المبالغة ما لا يخفي.

وقوله: ((كان جبريل)) إلي آخره استئناف وتخصيص بعد تخصيص علي سبيل الترقى. فضل أولاً جوده مطلقًا علي جود الناس كلهم، ثم فضل ثإنيا جود كونه في رمضان علي جوده في سائر أوقاته، ثم فضل ثالثًا جوده في ليالي رمضان عند لقاء جبريل علي جوده في رمضان مطلقًا، ثم شبهه بالريح، ووصفها بالمرسلة، ولا ارتياب أن مرسلها هو الله تعالي، وهو من صفات جوده علي الخلق طرًا، {وهو الذي أرسل الرياح بشرًا بين يدى رحمته} وأكرم بجود مشبه بجود الله تعالي. فإن قلت: أي مناسبة لهذا الحديث بباب الاعتكاف؟ قلت: من حيث إتيان أفضل ملائكة إلي أفضل خليقة بأفضل كلام من أفضل متكلم في أفضل أوقات، فالمناسب أن يكون في أفضل بقاع.

الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((كان يعرض علي النبي صلى الله عليه وسلم)) ((مظ)): يعنى يأتيه جبريل عليه السلام، ويقرأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن عليه من أوله إلي آخره؛ لتجديد اللفظ، وتصحيح إخراج الحروف من مخارجها؛ وليكون سنة في حق الأمة لتجدد التلامذة علي الشيوخ قراءتهم.

أقول: لا يساعد هذا التأويل تعدية ((يعرض)) بـ ((علي))؛ لأن المعروض عليه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل الذي يساعد عليه ما روى في شرح الله عن أبي عبد الرحمن السلمى: قرأ زيد بن ثابت علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي توفاه الله فيه مرتين. اللهم إلا أن يحمل علي باب القلب، كنحو قولهم: عرضت الناقة علي الحوض، أي الحوض علي الناقة، ويؤيده ما وواه أيضًا: أن زيد بن تابت شهد العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم علي جبريل عليه السلام. وروى أيضًا: أن قراءة زيد هي القراءة التي قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم علي جبريل عليه السلام مرتين في العام الذي قبض فيه. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>