٢١٢٣ - وعن أبي هريرة، قال: وكَّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتإني آت، فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، وقلت: لأرفعنك إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج، وعلي عيالٌ، ولي حاجةٌ شديدةٌ، قال: فخليت عنه فأصبحت،
ــ
قوله:((ليهنك العلم)) ((نه)): يقال: هنإني الطعام يهنؤني، وهنأت الطعام، أي تهنأت به، وهو كل أمر يأتيك من غير تعب، والمعني ليكن العلم هنيئاً لك. هذا دعاء له بتيسير العلم له، ورسوخه فيه، وإخبار بأنه عالم.
وأقول: ظاهرة أمر للعلم بأن يكون هنيئاً له، ومعناه الدعاء، وحقيقته إخبار علي سبيل الكناية بأنه راسخ في العلم ومجيد فيه، لأنه طبق المفصل، وأصاب المحز. وأما ضربه في صدره، فتنبيه علي انشراحه وامتلائه علماً وحكمة، وتعدية الضرب بـ ((في)) وهو متعد كقوله تعالي: {وأصلح لي في ذريتي} أي أوقع الصلاح فيهم، واجعلهم مكاناً للصلاح.
((مح)): فيه منقبة عظيمة لأبي، ودليل علي كثرة علمه، وفيه تبجيل للعالم، وتكرمة بالتكنية، وجواز مدح الإنسان في وجهه ّاذا كان فيه مصلحة، ولم يخف عليه الإعجاب ونحوه، لرسوخه في التقوى. وقال القاضي عياض: فيه حجة القول بجواز تفضيل بعض القرآن علي بعض خلافاً لمن منعه، وقال: تفضيل البعض علي البعض يقتضي نقص المفضول، وليس في كلام الله تعالي نقص. وأجيب: بأن ((أعزم)) بمعني عظيم، و ((أفضل)) بمعني فاضل، لقوله تعالي:{هو أعلم بكم}{وهو أهون عليه} أي عالم وهين، إذ لا مشارك له تعالي في علمه، ولا تفاوت في نسب المقدورات إلي قدرته. وقال إسحاق راهويه وغيره: المعني راجع إلي الثواب والأجر، أي أعظم ثواباً وأجراً، وهو المختار.
وأقول: لا ريب أن القرآن من كونه كلام الله تعالي، سواء في الفضل والشرف، لكن يتفاوت بحسب المذكور، فإن فضل سورة الإخلاص مثلاً علي السورة التي يذكر فيها ((تبت)) مما لا يخفي علي كل أحد مع أن الأسلوب من باب: هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاه وقد مر بيانه مراراً.
الحديث الخامس عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((زكاة رمضان)) الإضافة لأدنى ملابسة، لأنها شرعت لجبر ما عسى أن يقع في صومه تفريط. ويجوز أن تكون الإضافة بمعنى ((من)) كقولك: خاتم فضة، ليتميز عن مطلق الزكاة. قوله:((فجعل يحثو)) أي فطفق ينثر الطعام في الوعاء أي في ذيله.