٢١٢٤ - وعن ابن عباس، قال: بينما جبريل عليه السلام قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضًا من فوقه، فرفع رأسه، فقال:((هذا بابٌ من السماء فتح اليوم، لم يفتح
ــ
{نشهد إنك لرسول الله}. قوله: ((ذاك الشيطان)) وكان من الظاهر أن يقال شيطاناً بالنصب، لأن السؤال في قوله:((من يخاطب)) عن المفعول، فعدل إلي الجملة الاسمية، وشخصه باسم الإشارة لمزيد التعيين، وداوم الاحتراز عن كيده ومكره.
فإن قلت: لم تنكر الشيطان هنا بعد سبق ذكره منكراً في قوله: ((لا يقربك شيطان))؟ قلت: ليؤذن بأن الثانى غير الأول، وأن الأول مطلق شائع في جنسه، والثاني فرد من أفراد ذلك الجنس، أي شيطان من الشياطين، فلو عرف لأوهم خلاف المقصود، لأنه إما أن يشار إلي السابق أو إلي المعروف المشهور بين الناس، وكلاهما غير مراد.
((تو)): هذا الحديث وما في معناه من باب التأييد الذي أيد الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من إخباره عن الغيب. وكذا تمكن أبي هريرة من أخذ الشيطان ورده خاسئاً. والثانى أبلغ في حق من كوشف به من الأول، لأن أبا هريرة إنما كوشف بما كوشف به، فنال ما نال منه ببركة متابعته صلى الله عليه وسلم، ولا خفاء أن إكرام التابع تكرمة للمتبوع أعز وأعلي من إكرام المتبوع نفسه. ونظيره قول الذي عنده علم الكتاب بين يدي نبي الله سليمان عليه السلام:{أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} فإنه ما تمكن بما تمكن منه إلا ببركة سليمان وفضله، ول أتي به سليمان نفسه، لم يكن بهذه المثابة، فعلي هذا إصابة عمر رضي الله عنه لافي اجتهاده في المسائل الثلاث في الحجاب، وقتل الأقارب في وقعة بدر، وفي إتخاذ مقام إبراهيم مصلي. ((مظ)): في الحديث دليل علي جواز جمع جماعة زكاة فطرهم، ثم توكيلهم أحداً ليفرقها، وعلي جواز تعلم العلم ممن لم يعمل بما يقول بشرط أن يعلم المتعلم كون ما يتعلمه حسناً في الشرع، وأما إذا لم يعلم حسنه وقبحه فلا يجوز أن يتعلم إلا ممن هو صاحب ديانة.
الحديث السادس عشر عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: ((بينما جبريل)) أي بين أوقات وحالات كان هو عنده. إذ ((سمع نقيضاً)) أي صوتا مثل صوت الباب. ((تو)): انتقاض الشيء صوت المحامل والرحال وما أشبه ذلك، وحقيقة الانتقاض ليست الصوت، وإنما هي انتقاض الشيء في نفسه، حتى يكون منه الصوت. وقوله:((سمع)) مسند إلي جبريل عليه السلام، ويحتمل الإسناد إلي النبي صلى الله عليه وسلم علي بعد فيها، لما يدل علي نسق الكلام، وكذا عن القاضي قال: الضمائر الثلاثة في ((سمع ورفع وقال)) راجعة إلي جبريل، لأنه أكثر اطلاعاً علي أحوال السماء، وأحق بالإخبار عنها، واختار المظهر أن يكون الضمير في ((سمع ورفع)) راجعاً إلي النبي صلى الله عليه وسلم وفي ((فقال)) إلي جبريل ولعل المختار هذا، لأن حضور جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم لإخبار عن