٢١٣٤ - وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقال لصاحب القراَن: اقرأ وارتق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند اَخر اَيه تقرؤها)). رواه أحمد، والترمزى، وأبو داود، والنسائى. [٢١٣٤]
ــ
ألا من وصلنى، وعليه كلام القاضى أولا. ((تحت العرش)) عبارة عن اختصاص هذه الثلاثة من الله بمكان بحيث لا يضيع أجر من حافظ عليها إلي أخره، فالثالث أعنى ((والرحم تنادى)) قرينة لحذف ما للثانى من قوله: ((والأمانة تنادى ألا من حفظنى حفظه الله، ومن ضيعنى ضيعه الله)) ولتأويل معنى الأول بما يناسبه من قوله: ((القراَن ينادى)) بما لا يضيع أجر من حافظ عليها، ولا يهمل مجازاة من ضيعها.
ثم قوله:((له ظهر وبطن)) جملة اسمية، واقعة حالا من ضمير القراَن في الخبر بلا واو، أي القراَن يحاج العباد مستقصياً فيها، نحو: كلمته فوه إلي فيَّ، أي مسافها. والمعنى ما اختاره الشيخ التوربشتى حيث قال: ظهره ما استوى المكلفون فيه من الإيمان به، والعمل بمقتضاه، وبطنه ما وقع التفاوت في فهمه بين العباد علي حسب مراتبهم في الأفهام، والعقول، وتباين منازلهم في المعارف والعلوم، وفيه تنبيه علي أن كلا منهم إنما يطالب بقدر ما انتهي إليه من علم الكتاب وفهمه. والله أعلم.
الحديث الثانى عن عبد الله بن عمرو: قوله: ((لصاحب القراَن)) ((تو)): الصحبة للشيء الملازمة له إنساناً كان أو حيواناً، مكاناً كان أو زماناً، ويكون بالبدن، وهو الأصل والاكثر، ويكون بالعناية والهمة، وصاحب القراَن هو الملازم له بالهمة والعناية، ويكون ذلك تارة بالحفظ والتلاوة، وتارة بالتدبر له والعمل به. وإن ذهبنا إلي الأول، فالمراد من الدرجات بعضها دون بعض، والمنزلة التي في الحديث هي ما يناله العبد من الكرامة علي حسب منزلته في الحفظ والتلاوة لا غير، وذلك لما عرفنا من أصل الدين: أن العامل بكتاب الله المتدبر له أفضل من الحافظ والتالي له إذا لم ينل شأوه في العمل والتدبر، وقد كان في الصحابة من هو أحفظ لكتاب الله من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأكثر تلاوة منه، وكان هو أفضلهم علي الأطلاق لسبقه عليهم في العلم بالله، وبكتابه، وتدبره له، وعمله به. وإن ذهبنا إلي الثانى- وهو أحق الوجهين وأتمهما- فالمراد من الدرجات التي يستحقها بالَايات سائرها، وحينئذ تقدر التلاوة في القيامة علي مقدار العمل، فلا يسطيع أحد أن يتلو به إلا وقد قام بما يجب عليه فيها، واستكمال ذلك إنما يكون للنبى صلى الله عليه وسلم، ثم للأمة بعده علي مراتبهم ومنازلهم في الدين، كل منهم يقرأ علي مقدار ملازمته إياه تدبراً وعملاً.