للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غشيني، ضرب في صدري، ففضت عرقاً، وكأنما أنظر إلي الله فرقاً، فقال لي: ((يا أبي! أرسل إلي: أن اقرأ القرآن علي حرف. فرددت إليه: أن هون علي أمتي، فرد إلي الثانية: اقرأه علي حرفين، فرددت إليه: أن هون علي أمتي، فرد إلي الثالثة: اقرأه علي سبعة أحرف، ولك بكل ردة رددتكها مسألة تسألينها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي، وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم عليه السلام)) رواه مسلم.

ــ

قوله: ((أن هون علي أمتي)) ((أن)) يجوز أن تكون مفسرة لما في ((رددت)) من معنى القول، ويجوز أن تكون مصدرية وإن كان مدخوله أمراً. وجوز ذلك صاحب الكشاف نقلا عن سيبويه. والرد هاهنا ليس ضد القبول، وإنما هو سجع ورد للجواب، ولذلك سمي إجابة الله تعالي أيضاً رداً. فإن قلت: قوله: ((فرد إلي الثانية)) يستدعي الردة الأولي، وليس في الكلام ما يشعر به؟ قلت: قوله: ((أرسل إلي)) سمي رداً: إما مشاكلة، أو مسبوقاً بطلب من الرسول كيفية القراءة.

قوله: ((تسألينها)) صفة مؤكدة لمسألة، كقوله تعالي: {ولا طائر يطير} أي مسألة ينبغي لك أن تسألها، وأنك لا تخيب فيها. قوله: ((وأخرت الثالثة)) قيل: لما انقسم من يحتاج إلي مغفرته تعالي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلي مفرط ومفرط، استغفر صلى الله عليه وسلم مرة للمقتصد المفرط في الطاعة، وأخرى للظالم المفرط في المعصية، وأخر الثالثة لاحتياج جميع الأولين والآخرين يومئذ إليها.

وأقول: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل الثلاث مقصورة علي واحدة، لكن جعل تعدادها بحسب الزمان، مرتين في الدنيا، ومرة في الآخرة، يوم يقول الأنبياء كلهم: ((نفسي نفسي) وهو يقول: ((أمتي أمتي)) فقوله: ((يرغب إلي الخلق)) صفة لـ ((يوم)) أي أخرت قولي: ((اللهم اغفر لأمتي)) لأجل يوم هذا وصفه، وينصر هذا التأويل ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، فإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي إلي يوم القيامة)) انظر إلي هذه الرأفة، والمرحمة، والحدب لأمته صلى الله عليه وسلم. وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم طلب من الله تعالي لأمته السهولة واليسر في القراءة ثلاث مرات، فأسعفه الله تعالي وأنجح مطلوبه، ولم يكتف بذلك بل أمره بأن يزيد علي المسألة بما يسهل عليهم في الآخرة ليجمع لهم التيسير والتسهيل في الدارين. فالله أرأف بهم وأرحم لهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>