للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٢١٣ - وعن أبي بن كعب، قال: كنتُ في المسجد، فدخل رجلٌ يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة، دخلنا جميعًا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه. فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ، فحسن شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد

ــ

الحديث الثالث عن أبي بن كعب رضي الله عنه: قوله: ((ودخل آخر)) عطف علي مقدر، أي قلت: إن هذا دخل في المسجد فقرأ قراءة انكرتها، ودخل آخر. قوله: ((فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذا كنت)) ((مظ)): يعني وقع في خاطري من تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في تحسينه لشأنهما تكذيبًا أكثر من تكذيبي إياه قبل الإسلام. ((مح)): معناه وسوس لي الشيطان تكذيبًا أشد مما كنت عليه في الجاهلية؛ لأنه كان في الجاهلية غافلا، أو متشككا. ((تو)): إنما استعظم الحالة التي ابتلي بها فوق ما استعظم حالته الأولي؛ لأن الشك الذي يداخله في أمر الدين، ورد علي مورد اليقين، والمعرفة بعد النكره أطم وأعظم.

وقيل: فاعل ((سقط)) محوف، أي فوقع في نفسي من التكذيب ما لم أقدر علي وصفه، ولم أعهد بمثله، ولا إذا كنت في الجاهلية. أقول: قد أحسن هذا القائل وأصاب في هذا التقدير، ويشهد له قوله: ((فلما رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني)) أي من التكذيب، فـ ((من)) علي هذا بيإنية، و ((الواو)) في ((ولا إذ كنت)) تستدعي معطوفا عليه، و ((لا)) المؤكدة توجب أن يكون المعطوف عليه منفيا، وهو هذا المحذوف. وها أسد في العربية من جعل ((ولا إذ كنت)) صفة لمصدر محذوف، كما سبق؛ لأن واو العطف مانعة. ولو ذهب إلي الحال لجاز علي التعسف. وفي استعمال السقوط والقذف في المعإني، وأنهما مستعملان في الأجسام، إشعار بشدة الخطب، وفخامة الأمر، فاستعارة ((سقط)) لفخامة في الحديث، كاستعارة القذف للإزالة، والمغ للمحق، في قوله تعالي: {بل نقذف بالحق علي الباطل فيدمغه}.

قوله: ((ففضت عرقا)) ((مظ)): ((عرقًا وفرقًا)) منصوبان علي التمييز، والتظاهر أن يكون ((فرقًا)) مفعولا له، أو حالا؛ لأنه لا يجوز أن يقال: نظر في فرقي. كان أبي من أفاضل الصحابة، ومن الموقنين، وكان طريان ذلك التكذيب بسبب الاختلاف نزعة من الشيطان، فلما أصاب بركة يده وضربه صلى الله عليه وسلم علي صدره، زالت تلك الهاجسة إلي الخارج مع العرق، فرجع الشك المسبوق بعلم اليقين إلي عين اليقين، فنظر إلي الله خوفا، خجلا مما غشيه من الشيطان.

<<  <  ج: ص:  >  >>