كثير من القرآن، وإني أرى تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأي عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قال: قلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبو بكر وعمر. فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة (التوبة) مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره: {لقد جاءكم
ــ
المسلمين، فاقتتل المسلمون وبنو حنيفة قتالا ما رأي المسلمون قتلة مثلها، وقتل المسلمين ألف ومأتان، وخرج من بقى، وكان عدة من قتل من القراء يومئذ سبعمائة، ثم إن براء بن مالك ثار، فحمل علي أصحاب مسيلمة، فانكشفوا وتبعهم المسلمون، وقتلوا مسيلمة وأصحابه.
قوله:((قد استحر)) ((نه)): أي كثر واشتد، وهو استفعل من الحر الشدة. قوله:((إني أخشى إن استحر القتل بالقراء)) ((إن استحر)) مفعول ((أخشى)) و ((الفاء)) في ((فيذهب)) للتعقيب. ويجوز أن يكون مفعول ((أخشى)) محذوفاً، و ((إن)) بالكسر، والجملة الشرطية بيان للمحذوف. والخشية إنما تكون مما لم يوجد من المكروه، فعلي هذا المراد من ((استحر)) الزيادة علي ما كان. قوله:((هذا والله خير)) رد لقوله: ((كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم)) وإشعار بأن من البدع ما هو حسن وخير.
قوله:((إنك رجل شاب)) وفي التقييد بـ ((شاب)) إشارة إلي حدة نظره، وبعده عن النسان، وضبطه وإتقانه، و ((لا نتهمك)) إلي عدم ضعفه، ونسيانه، وكذبه، وأنه صدوق، وذلك صريح بكمال ورعه، وتمام معرفته، وغزارة علومه، وشدة تحقيقه، وتقعده في هذا الشأن وتمكنه منه.
قوله:((اجمعه من العسب)) حال من فاعل ((تتبعت) أو من مفعوله. ((العسب)) جمع عسيب، وهو سعف النخل. و ((اللخاف)) جمع لخفة، وهي الحجارة البيض الرقاق، والمراد بصدور الرجال الذين جمعوا القرآن، وحفظوه في صدورهم كاملاً في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبي زيد. وفي رواية أبي الدرداء بدل أبي فيكون ما في العسب واللخاف وغيرهما تقريراً علي تقرير. فإن قلت: كيف التوفيق بين قولك هذا وبين