للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٢٦٥ - وعن أبي ذر [رضي الله عنه]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((يقول الله

ــ

الحديث الرابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ظن عبدي بي)) ((تو)): الظن لما كان واسطة بين اليقين والشك، استعمل تارة بمعنى اليقين. وذلك إذا ظهرت أماراته، وبمعنى الشك إذا ضعفت أماراته. وفي المعنى الأول ورد قوله تعالي: ((الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم)) أي يوقنون، وعلي الثاني قوله: ((وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون)) أي توهموا.

((قض)): الظن في الحديث يصح إجراؤه علي ظاهره، ويكون المعنى أنا عند ظن عبدي بي، أي أعامله علي حسب ظنه، وأفعل به ما يتوقعه مني. والمراد الحث علي تغليب الرجاء علي الخوف، وحسن الظن بالله، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله)). ويجوز أن يفسر بالعلم، والمعنى أنا عند يقينه بي وعلمه بأن مصيره إلي، وحسابه علي، وأن ما قضيت له من خير أو شر فلا مرد له، لا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، أي إذا تمكن العبد في مقام التوحيد، ورسخ في الإيمان والوثوق بالله تعالي، قرب منه ورفع دونه الحجاب بحيث إذا دعاه أجاب، وإذا سأله استجاب، كما روي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال عن الله تعالي: ((علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ به، غفرت له)). قوله: ((وأنا معه إذا ذكرني)) أي بالتوفيق، والمعونة، أو أسمع ما يقوله. ((فإن ذكرني في نفسه)) أي سرًا وخفية إخلاصًا وتجنبًا عن الرياء ((ذكرته في نفسي)) أي أسر بثوابه علي منوال عمله وأتولي بنفسي إثابته لا أكله إلي أحد من خلقي.

وقوله: ((في ملأ خير منه)) أي ملأ من الملائكة المقربين وأرواح المرسلين. والمراد منه مجازاة العبد بأحسن مما فعله وأفضل مما جاء به. وأقول: وإنما قيده بقوله: ((وأرواح المرسلين)) لئلا يستدل بهذا الحديث أن الملائكة أفضل من البشر، علي أن المراد من الملأ الملائكة فحسب. واعلم أن ((الفاء)) في قوله: ((فإن ذكرني في نفسه)) إلي آخره، تفصيل للسابق فينبغي للحاذق الماهر أن يجعل السابق محلا للتفصيل ومتضمنًا معناه علي سبيل الإبهام، فمعنى المفصل، أنه تعالي عالم بسر العبد وعلإنيته، وإخلاصه في العمل وريائه فيه، وأنه مجازيه علي أعماله بأفضل وأكمل مما عمله، وإذا تقرر هذا ينبغي أن يحمل الظن علي الاعتقاد الجازم بأنه تعالي كريم جواد يجازي العبد بأفضل وأحسن مما عمل، وأنه معه رقيب عليه حافظ لما أسره وما أعلنه، لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع البصير. وقوله: ((ذكرته في نفسي)) جاء علي سبيل المشاكلة؛ لأن المراد من قوله: ((في نفسه)) قلبه وسره؛ ولأنه جعل النفس ظرفًا للذكر، تعالي الله أن يتصف بهما.

الحديث الخامس عن أبي ذر رضي الله عنه: قوله: ((تقربت منه)) ((مح)): هذا الحديث من

<<  <  ج: ص:  >  >>