تعالي: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، وأزيدُ؛ ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها أو أغفر؛ ومن تقرب مني شبرًا تقربت منه ذراعًا؛ ومن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا؛ ومن أتإني يمشي أتيته هرولة؛ ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا لقيته بمثلها مغفرة)). رواه مسلم. [٢٢٦٥]
ــ
أحاديث الصفات، ويستحيل إرادة ظاهرة. ومعناه من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي, والتوفيق في الإعانة، وإن زاد زدت، وإن أتإني يمشي ويسرع في طاعتي أتيته هرولة، أي صببت عليه الرحمة، وسبقته بها، ولم أحوجه إلي المشي الكثير في الوصول إلي المقصود، والمراد أن جزاءه يكون تضعيفه علي حساب تقربه.
((تو)): الهرولة ضرب من التسرع في السير، وهو فوق المشي ودون العدو، وهذه أمثال يقرب بها المعنى المراد منها إلي أفهام السامعين. والمراد منها: أن الله تعالي يكافئ العبد ويجازيه في معاملاته التي يقع بها التقرب إلي الله بأضعاف ما يتقرب العبد به إلي الله. وسمي الثواب تقربًا مشاكلة وتحسينًا، ولأنه من أجله وبسببه، كقوله تعالي ((وجزاء سيئة سيئة مثلها)). وقيل: تقرب الباري سبحانه إليه بالهداية، وشرح صدره لما تقرب به، وكأن المعنى: إذا قصد ذلك وعمله أعنته عليه وسهلته له. والقراب ما يقارب ملاءها وهو مصدر قارب. ((شف)): قلما يوجد في الأحاديث حديث أرجى من هذا، فإنه صلى الله عليه وسلم رتب قوله:((لقيته بمثلها مغفرة)) علي عدم الإشراك بالله فقط، ولم يذكر الأعمال الصالحة.
((مظ)): لا يجوز لأحد أن يغتر بهذا الحديث ويقول: إذا كان كذلك، فأكثر الخطيئة حتى يكثر الله مغفرتي، وإنما قال ذلك كيلا ييأس المذنبون من رحمته، ولا شك أن لله مغفرة وعقوبة، ومغفرته أكثر، ولكن لا يعلم أحد أنه من المغفورين أو من المعاقبين، فإذن ينبغي للمرء أن يكون بين الخوف والرجاء.
وأقول: هذا الحديث عام خص بحسب الأحوال والأوقات. فإن جانب الخوف في ابتداء الأحوال ينبغي أن يكون راجحا علي الرجاء، وفي أواخرها يكون مرجوحا، أو مطلق محمول علي المقيد بالمشيئة كما في قوله تعالي:((ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) أو بالعمل الصالح مع الإيمان كما في قوله تعالي: ((إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات)) فدل ((أولئك)) أن ما بعدها جدير بمن ذكر قبلها، بسبب ما اختص به من الصفات.