للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

والمذكور في الآية التائب الذي آمن بالله وعمل عملا صالحًا. والتمثيل مركب من عدة أمور متوهمة، مثلت صورة تقرب العبد إلي الله بالطاعة والإخلاص فيها مع معاونة الله تعالي بتيسير الطاعة وتسهيل السلوك إليه، بصورة تقرب من يعنى بحالة من الخواص إلي بعض العظماء فإنه يستقبله، ويخطو خطوات نحوه تقليلا للمسافة إكراما له، وهذا المعنى يقرب من الوجه الثاني الذي ذكره الشيخ التوربشتي، ويكشف عن هذا المعنى في الحديث الذي يليه كشفًا يتحقق به مغزى الكلام.

فإن قلت: ما معنى التعريف في ((الحسنة والسيئة))، ولم خصت القرينة الثانية أعني ((من جاء بالسيئة)) بلفظ الجزاء، ولم وضعت ((سيئة)) موضع الضمير الراجع إلي المذكور في الشرط ونكرت؟ ولم قيل في القرينة الأولي ((وأزيد)) بالواو، وفي الثانية أغفر ((أو أغفر) وما وجه النظم بين قوله: ((ومن تقرب إلي)) إلي آخر الحديث، وبين الكلام السابق؟ قلت- وبالله التوفيق-: أما التعريف فيهما فللعهد الذهني، كقولك: دخلت السوق في بلد كذا أي سوقًا من الأسواق، ويعرف كل أحد أن السوق ما هو، فالمعنى: أية حسنة كانت، وأية سيئة كانت. وأما اختصاص ذكر الجزاء بالثانية، فلأن ما يقابل العمل الصالح من الثواب، كله إفضال وإكرام من الله تعالي، وما يقابل السيئة هو عدل وقصاص، فلا يكون مقصودا بالذات كالثواب، فنص بالجزاء. وأما إعادة السيئة نكرة، فلتنصيص معنى الوحدة المبهم في السيئة، والمعرفة المطلقة وتقريرها. وأما معنى واو العطف في ((وأزيد)) فلمطلق الجمع، إن أريد بالزيادة الرؤية كقوله تعالي: ((للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) وإن أريد بها الأضعاف كما في قوله تعالي: ((كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة)) الآية، فالواو بمعنى أو التنويعية، كما هي في قوله: ((أو أغفر)) في الحديث.

وأما وجه النظم، فإن تركيب الحديث من باب اللف والنشر؛ لأن قوله: ((من تقرب مني- إلي قوله- هرولة)) مناسب للقرينة الأولي، وقوله: ((ومن لقيني)) إلي آخر الحديث مناسب للقرينة الأولي أن القرب إلي الله تعالي إنما يحصل بواسطة الطاعة المقارنة بالإخلاص، وقمع هوى النفس الأمارة بالسوء، والفناء عن الأوصاف البشرية المانعة عن الوصول إلي حظيرة القدس، فكلما زاد الإخلاص في الطاعة والتوغل فيه، وبعد عن هوى النفس وشهواتها ولذاتها، ازداد قربا إلي الله تعالي. ومراتب القرب لا تحصى، فذكر منها في الحديث ثلاثا تقريبا.

وقوله: ((أمثالها)) من إقامة صفة الجنس المميز مقام الموصوف، أي عشر حسنات أمثالها. وقوله: ((شبرًا، وذراعًا، وباعًا)) في الشرط والجزاء منصوبات علي الظرفية، أي من تقرب إلي

<<  <  ج: ص:  >  >>