للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من إنفاق الذهب والورق؟ وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟)) قالوا: بلي. قال: ((ذكر الله)). رواه مالك، وأحمد، والترمذي، وابن ماجه، إلا أن مالكا وقفه علي أبي الدرداء [٢٢٦٩].

٢٢٧٠ - وعن عبد الله بن بُسر، قال: جاء أعرابي إلي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أي الناس خير؟ فقال: ((طوبى لمن طال عمره، وحسن عمله)). قال: يا رسول الله! أي

ــ

عُطف علي ((خير أعمالكم)) من حيث المعنى؛ لأن المعنى ألا أنبئكم بما هو خير لكم من بذل أموالكم، ونفوسكم؟. قال الشيخ ابن عبد السلام في كتاب القواعد: هذا الحديث مما يدل علي أن الثواب لا يترتب علي قدر النصب في جميع العبادات، بل قد يؤجر الله تعالي علي قليل الأعمال أكثر مما يؤجره علي كثيرها، فإن* الثواب يترتب علي تفاوت الرتب في الشرف.

((شف)): لعل الخيرية والأرفعية في الذكر؛ لأجل أن سائر العبادات من إنفاق الذهب، والفضة، ومن ملاقاة العدو، والمقاتلة معهم إنما هي وسائل ووسائط يتقرب العباد بها إلي الله، والذكر إنما هو المقصود الأسني، والمطلوب الأعلي، وناهيك عن فضيلة الذكر قوله تعالي: ((فاذكروني أذكركم) وقوله: ((أنا جليس من ذكرني، وأنا معه إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي)) - الحديث.

أقول: ولا ارتياب أن أفضل الذكر قول لا إله إلا الله، وهي الكلمة العليا، وهي القطب الذي يدور عليها رحى الإسلام، وهي القاعدة التي بنى عليها أركان الدين، وهي الشعبة التي هي أعلي شعب الإيمان بل هو الكل، وليس غيره، ((قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد)) أي الوحي مقصور علي استئثار الله تعالي بالوحدإنية؛ لأن المقصود الأعظم من الوحي هو التوحيد، وسائر التكاليف متفرع عليه، ((وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)) ولأمر ما تجد العارفين وأرباب القلوب يستأثرونها علي سائر الأذكار؛ لما رأوا فيها خواص ليس الطريق إلي معرفتها إلا الوجدان والذوق، رزقنا الله وإياكم.

الحديث الثاني عن عبد الله: قوله: ((طوبى)) قال الشارحون: لما كان السؤال عما هو غيب لا يعلمه إلا الله تعالي عدل عن الجواب إلي كلام مبتدأ يشعر بأمارات تدل علي المسئول عنه، وهو طول العمر مع حسن العمل، فإنه يدل علي سعادة الدارين والفوز بالحسنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>