للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

إلي أنه يصح أن يطلق علي الله عز وجل كل اسم يصح مع تهافيه، والأفهام الصحيحة البشرية لها سعة ومجال في اختيار الصفات. وقال: وما ذهب إليه أهل الحديث هو الصحيح. ولو ترك الانسان وعقله لما جسر أن يطلق عليه غاية هذه الأسماء التي ورد الشرع بها، إذا كان أكثرها تعارفنا يقتضى أعراضًا، إما كمية نحو العظيم والكبير، وإما كيفية نحو الحي والقادر، أو زمانا نحو القديم والباقي، أو مكانًا نحو العلي والمتعالي، أو انفعالا نحو الرحيم والودود، وهذه معان له تصح عليه سبحأنه علي حسب ما هو متعارف بيننا، وإن كان لها معان معقولة عند أهل الحقائق، من أجلها صح إطلاقها عليه عز وجل.

وقال الزجاج: لا ينبغي لأحد أن يدعوه بمال يصف به نفسه، فيقول: ((يا رحيم)) لا ((يا رفيق))، ويقول ((يا قوي))، لا ((يا جليد)). وقال الإمام فخرالدين الرازي: قال أصحابنا: ليس كل مائح معناه جاز إطلاقه عليه سبحأنه وتعالي؛ فأنه الخاق للأشياء كلها، ولا يجوز أن يقال: ((يا خالق الذئب، والقردة))، وورد ((وعلم آدم الأسماء كلها)((وعلمك مالم تكن تعلم)) ((وعلمناه من لدنك علما)) ولا يجوز ((يا معلم))، ولا يجوز عندي ((يا محب)) وقد ورد ((يحبهم ويحبونه)). فإن قلت: ما ورد في شرح السنة عن أبي أمية قال: أنه رأي الذي بظهر رسول الله صلة الله عليه وسلم، فقال دعني أعالجه، فإني طبيب، فقال: ((أنت رفيق والله الطبيب))، هل هو إذن منه صلى الله عليه وسلم في تسمية الله بـ ((الطبيب) قلت: لا، لوقوعه مقابلا لقوله: ((فإني طبيب)) مشاكلة وطباقًا للجواب علي السؤال لقوله تعالي: ((تعلم ما في نفسى ولا أعلم ما في نفسك))

قوله: ((من أحصاها)) فيه وجوه: أحدها ((مح)): معنى ((أحصاها)) حفظها، هكذا فسره البخاري والأكثرون. ويؤيده أنه ورد في رواية في الصحيح ((من حفظها دخل الجنة)). أقول: أراد بالحفظ القراءة بظهر القلب، فيكون كناية؛ لأن الحفظ يستلزم التكرار، فالمراد بإحصاء تكرار مجموعها. وثإنيها: أن يكون بمعنى الضي، والتفقد، والرعاية، فيرجع إلي معنى ما ذكره الشارحون: من أتى عليه حصرًا وتعدادًا وعلمًا وإيمانًا، فدعا الله بها استحق بذلك دخول الجنة، وذكر الجزاء بلفظ الماضى تحقيقًا. وثالثها: أن يكون بمعنى الإطاقة، أي أطاق القيام بحقها والعمل بمقتضاها، وذلك بأن يعتبر معإنيها فيطالب نفسه بما تتضمنه من صفات الربوبية وأحكام العبودية، فيتخلق بها. ورابعها: أن تكون بمعنى العلم، أي عقلها وأحاط بمعإنيها، ويكون من قولهم: فلان ذو حصاة، أي ذو عقل ولب. وخامسها: أن يكون مستعارًا للعلم من الإحصاء الذي هو عد الشيء؛ لكونه موجبًا للعلم به.

وأقول: لما أكد الأعداد دفعًا للتجوز واحتمال الزيادة والنقصان، وقد أرشد الله تعالي بقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>