للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

((ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه)) إلي عظم الخطب في الإحصاء، بأن لا يتجأوز المسموع والأعداد المذكورة، وأن لا يلحد منها إلي الباطل، بل يستقيم فيها، ويعمل بمقتضاها. وقد علم من قوله: ((استقيموا ولن تحصوا)) أن الاستقامة أمر شاق. فقوله: ((أحصى)) كلمة جامعة لا تحصى فائدتها، ضرب لمعنى التجنب عن الزيادة والنقصان في عدد مثل تلك الأسماء مثل، وهو أن الطبيب الحاذق إذا وصف لداء مخصوص معجونا مركبا من أدوية معدودة بأوزان معينة، فإذا تصرف فيها بالزيادة والنقصان في العدد والوزن علي ما وصفه، لم يفد فائدة ما إذا لم يتصرف فيها. وهكذا قيل: إذا وصى الوالد ولده بأنى خبأت لك كنزا، ومن موضع كذا إليه كذا خطوات، فإن تعدى خطوة جأوز عنه، وإن نقص خطوة لم يصل إليه؛ لأن لمراتب الأعداد خواص في الشرع علي سبيل التعبد، كأعداد الركعات، ونصب الزكاة، ومقادير الحدود والكفارات، لا يعقل معناها وإن كانت لا تخلو عن حكمة بالغة، وجاء أيضا في رواية الصحاح.

((الوتر)) ((تو)): الوتر الفرد، الله سبحأنه هو الفرد الوتر؛ لأنه واحد لا شريك له، بل هو الوتر من حيث ماله الوحدة من كل وجه. وقوله: ((يحب الوتر)) أي يثيب علي العمل الذي أتى به وترا، ويقبله من عامله؛ لما فيه من التنبيه علي معإني الفردإنية قلبا، ولسانا، وإيمانا، وإخلاصا، ثم أنه أدعى إلي معإني التوحيد.

قوله: ((هو الله الذي)) ((هو)) مبتدأ ((الله)) خبره ((الذي لا إله إلا هو)) صفته، و ((الرحمن)) إلي آخره خبر بعد خبر، والجملة مستأنفة، إما بيان لكمية تلك الأعداد أنها ما هي في قوله: ((إن لله تسعة وتسعين اسما)) وذكر الضمير نظرا إلي الخبر، وإما بيان لكيفية الإحصاء في قوله: ((من أحصاها دخل الجنة)) دالة كيف تحصى، فالضمير راجع إلي المسمى الدال عليه قوله ((الله)). كأنه لما قيل: ((ولله الأسماء الحسنى)) سئل وما تلك الأسماء؟ فأجيب: هو ((الله) أو لما قيل: ((من أحصاها دخل الجنة)) كيف أحصيها؟ فأجيب: قل ((هو الله))، فعلي هذا الضمير ضمير الشأن، و ((الله)) مبتدأ وقوله: ((الذي لا إله إلا هو)) خبره، والموصول مع الصلة صفة ((الله)).

فإن قلت: الإحصاء يقتضى أن يلقيها أغفالا من سمية الإعراب، فيقول: الله، الرحمن، الرحيم، موقوفة كما يلقى علي الحاسب أجناسا مختلفة ليرفع حسبأنها فيقول: دار، غلام، جارية، ولو أعربت ركبت شططا.

قلت: إنما عدل عن التعداد تفخيما لشأنها، وإدخالا للروعة في قلب السامع، فيحصل منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>