٢٣٢٤ - وعن الأغر المزني ((رضي الله عنه))،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه ليغان علي قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة)) رواه مسلم.
ــ
يصون العبد من أن يمسه العذاب، والتوبة ترك الذنب علي أحمد الوجوه، وهو أبلغ ضروب الاعتذار، فإن الاعتذار علي ثلاثة أوجه، إما أن يقول المعتذر: لم أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا، أو فعلت أو أسأت، ولقد أقلعت، ولا رابع لذلك. وهذا الأخير هو التوبة، ثم التوبة في الشرع ترك الذنب لقبحه، والندم علي ما فرط منه، والعزيمة علي ترك المعاودة، وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالأعمال بالإعادة؛ فمتى اجتمع هذه الأربع فقد كمل شرائط التوبة، وتاب إلي الله. هذا كلام الراغب، وزاد كلام الشيخ محيي الدين النواوي وقال: وإن كان الذنب يتعلق ببني آدم، فلها شرط آخر، وهو رد الظلامة إلي صاحبها، أو تحصيل البراءة منه. والتوبة أهم قواعد الإسلام، وهي أول مقدمات سالكي الآخرة. وأنشد بعضهم في مناجاته:
لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه ... من وجود كفيك ما علمتني الطلبا
يريد به قوله تعالي:} واستغفروا ربكم إنه كان غفارا {.
الفصل الأول
الحديث الأول والثاني عن الأغر: قوله: ((إنه ليغان علي قلبي)) اسم ((إن)) ضمير الشأن، والجملة بعده خبر له مفسرة. ((فا)): ((ليغان)) أي ليطبق إطباق الغين، وهو الغيم، يقال: غيت السماء تغان، والفعل مسند إلي الظرف، وموضعه رفعه بالفاعلية.
((مح)): ذكروا في الغين وجوها، أحدها قال القاضي عياض: المراد به فترات وغفلات من الذكر الذي شأنه الدوام عليه، فإذا فتر عنه، أو غفل عنه عد ذلك ذنبا فاستغفر منه. وثإنيها: هو همه بسبب أمته، وما طلع عليه من أحوالهم بعده ويستغفر لهم. وثالثهما: قيل: سببه اشتغاله بالنظر في مصالح أمته، وأمورهم ومحاربة العدو ومداراتهم، وتأليف المؤلفة، ونحو ذلك من معاشرة الأزواج، والأكل والشرب والنوم، وذلك مما يحجبه، ويحجزه عن عظيم مقامه، فيراه ذنبا بالنسبة إلي ذلك المقام العلي، وهو حضوره في حظيرة القدس ومشاهدته، ومراقبته وفراغه مع الله تعالي مما سواه، فيستغفر لذلك. ورابعها: قيل: يحتمل أن الغين هو السكينة التي تغشي قلبه لقوله تعالي:} فأنزل الله سكينته علي رسوله {فالاستغفار لإظهار العبودية والافتقار، والشكر لما أولاه. وخامسها قيل: يحتمل أن الغين هو حالة خشية وإعظام، فالاستغفار شكر لها. قال المحاسبي: خوف المقربين خوف إجلال وإعظام. وسادسها: هو شيء يعتري القلوب مما تتحدث به النفس، كل ذلك في شرح مسلم.