٢٣٢٥ - وعنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((يأيها الناس! توبوا إلي الله، فإني أتوب في اليوم مائة مرة)) رواه مسلم.
ــ
((تو)):سئل الأصمعي عن هذا الحديث، فقال: عن قلب من تروى هذا؟ فقال: عن قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لو كان عن قلب غيره لكنت أفسره لك. ولله دره في انتهاجه في منهج الأدب، وإجلال القلب الذي جعله الله موقع وحيه، ومنزل تنزله! وبعد فإن قلبه مشرب، سد عن أهل اللسان موارده، وفتح لأهل السلوك مسالكه، وأحق من يعرب، أو يعبر عنه، مشايخ الصوفية الذين نازل الحق أسرارهم، ووضع الذكر أوزارهم.
ومن كلمات شيخنا شيخ الإسلام أبي حفص السهروي- قدس الله سره-:لا ينبغي أن يعتقد أن الغين نقص في حاله صلوات الله عليه، بل هو كمال، أو تتمة كمال، وهذا السر دقيق لا ينكشف إلا بمثال، وهو أن الجفن المسبل علي حدقة البصر، وإن كانت صورته صورة نقصان، من حيث هو إسبال وتغطية علي من شأنه أن يكون باديا مكشوفا، فإن المقصود من خلق العين إدراك المدركات الحسية، وذلك لا يتأتى إلا بانبعاث الأشعة الحسية من داخل العين، واتصالها بالمرئيات علي مذهب قوم، وبانطباع صور المدركات في الكرة الجليدية علي مذهب آخرين، فكيف ما قدر لا يتم المقصود إلا بانكشاف العين، وعرائها عما يعمل من انبعاث الأشعة عنها، ولكن لما كان الهواء المحيط بالأبدان الحيوإنية قلما يخلو من الأغبرة الثائرة بحركة الرياح، فلو كانت الحدقة دائمة الانكشاف، لاستضرت بملاقاتها وتراكمها عليها، فأسبلت أغطية الجفون عليها، وقاية لها، ومصقلة لها؛ لتنصقل الحدقة بإسبال الأهداب، ورفعها لخفة حركة الجفن، فيدوم جلاؤها، ويحتد نظرها. فالجفن وإن كان نقصا ظاهرا، فهو كمال حقيقة، فهكذا لم تزل بصيرة النبي صلي الله معترضة لأن تصدأ بالأغبرة الثائرة من أنفاس الأغيار، فلا جرم دعت الحاجة إلي إسبال جفن من الغين علي حدقة بصيرته سترا لها، ووقاية وصقالا عن تلك الأغبرة المثارة برؤية الأغيار وأنفاسها، فصه أن الغين وإن كانت صورته نقصا، فمعناه كمال وصقال حقيقة.
ثم قال- رضي الله عنه-:وأيضا فإن روح النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل في الترقي إلي مقامات القرب، مستتبعة للقلب في رقيها إلي مركزها، وهكذا القلب كان يستتبع نفسه الزكية، ولا خفاء أن حركة الروح والقلب أسرع وأتم من نهضة النفس وحركتها، فكانت خطى النفس تقصر عن مدى الروح والقلب في العروج والولوج في حريم القلب، ولوحقها بهما، فاقتضت العواطف الربإنية علي الضعفاء من الأمة إبطاء حركة القلب بإلقاء الغين عليه؛ لئلا يسرع القلب، ويسرح في معارج الروح ومدارجها، فتنقطع علاقة النفس عنه لقوة الانجذاب، فيبقى العباد مهملين محرومين عن الاستنارة بأنوار النبوة، والاستضاءة بمشكاة مصباح الشريعة، حيث كان يرى صلى الله عليه وسلم إبطاء القلب بالغين الملقى عليه، وقصور النفس عن شأنه، وترقي الروح في الرفيق الأعلي،