للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٩٠ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مولود إلا يولد على

ــ

وقوله: ((كقلب واحد)) قالوا: يعني كما أن أحدكم يقدر على شيء واحد، الله تعالى يقدر على جميع الأشياء دفعة واحدة، ولا يشغله شأن عن شأن. أقول: ليس المراد أن التصرف في القلب الواحد أسهل عليه تعالى من التصرف في القلوب كلها؛ فإن ذلك عند الله سبحانه وتعالى سواء، وقال الله تعالى: {إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} ولكن ذلك راجع إلى العباد وإلى ما شاهدوه وعرفوا ذلك فيما بينهم، كقوله سبحانه: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} أي أهون فيما يجب عندكم، وينقاس على أصولكم، ويقتضيه معقولكم، وإلا فالإبداء والإنشاء سواء عند الله تعالى. و ((كيف يشاء)) يجوز أن يكون حالا على التأويل أي هينا فالإبداء والإنشاء سواء عند الله تعالى. و ((كيف يشاء)) يجوز أن يكون حالا على التأويل أي هينا سهلا سريعا لا يمنعه مانع؛ لأنه جواب كيف، وأن يكون مصدرا محذوفا على التأويل أي يقلبها تقليبا سريعا سهلا لا يمنعه من التصرف فيها مانع.

و ((اللهم)) الميم فيها عوض من ياء؛ ولذلك لا يجتمعان، قال الزجاج في قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ}: زعم سيبويه أن هذا الاسم لا يوصف؛ لأنه قد ضمت إليه الميم. وما بعده منصوب بالنداء. والقول عندي: أنه صفة فكما لا يمتنع الصفة مع يا فلا يمتنع مع الميم. قال أبو علي: قول سيبويه عندي أصح؛ لأنه ليس في الأسماء الموصوفة شيء على حد ((اللهم)) ولذلك خالف سائر الأسماء، ودخل في حيز ما لا يوصف نحو حيهل؛ فإنهما صارا بمنزلة صوت مضموم إلى اسم فلم يوصف.

أقول: ويساعد قول سيبويه مقام التضرع والابتهال؛ فإنه استغاث أولا بقوله: يا الله، ثم أعاد النداء مقررا لمعنى الاستغاثة، ولذلك أطنب في الكلام، إذ لو قيل: ((اللهم صرف قلوبنا على طاعتك)) لكان كافيا في الظاهر، وفي جمع القلوب إشعار برأفته ورحمته على الأمة – عليه الصلاة والسلام – ويجوز أن يكون معنى الدعاء في هذا المقام، أنه صلى الله عليه وسلم لما قال: ((إن قلوب بني آدم)) أخطر في خلده – عليه الصلاة والسلام – ما عسى أن يتوهم متوهم خلاف الشمول، وأن مثل الأنبياء خارجون عن هذا الحكم، فأزيل التوهم بكلمة الشمول، ثم خص نفسه بالتضرع والابتهال إعلاما بأن نفسه القدسية الطاهرة المصطفوية إذا كانت مفتقرة إلى اللجأ منه إليه، كما قال: ((أعوذ بك منك)) كان غيره أولى وأحرى.

الحديث الثاني عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((ما من مولود)) مبتدأ و ((يولد)) خبره؛ لأن ((من)) الاستغراقية في سياق النفي يفيد العموم، كقولك: ما أحد خير منك،

<<  <  ج: ص:  >  >>