للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقولك (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم)) متفق عليه.

ــ

والتقدير: ما من مولود يوجد على أمر من الأمور إلا على هذا الأمر. و ((الفطرة)) تدل على نوع منها وهو الابتداء والاختراع، كالجلسة والقعدة، والمعنى بها ها هنا تمكن الناس من الهدى في أصل الجبلة، والتهيؤ لقبول الدين، فلو ترك عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها؛ لأن هذا الدين حسنه موجود في النفوس، وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية والتقليد، كقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} والفاء في ((فأبواه)) إما للتعقيب وهو ظاهر، وإما للتسبيب أي إذا تقرر ذلك فمن تغير كان بسبب أبويه.

وقوله: ((كما)) إما حال من الضمير المنصوب في ((يهودانه)) مثلا، فالمعنى: يهودان المولود بعد أن خلق على الفطرة شبيها بالبهيمة التي جدعت بعد أن خلقت سليمة، وإما صفة مصدر محذوف أي يغيران تغييرا مثل تغييرهم البهيمة السليمة، فالأفعال الثلاثة أعني: يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه، تنازعت في ((كما)) على التقديرين، و ((تنتج)) يروى على بناء المفعول في المغرب عن الليث: وقد نتج الناقة ينتجها نتجا إذا تولى نتاجها حتى وضعت فهو ناتج، وهو للبهائم، كالقابل للنساء، والأصل: من نتجها، ولذا يعدى إلى مفعولين، وعليه بيت الحماسة:

وهم نتجوك تحت الفيل سقيا

فإذا بني للمفعول الأول قيل: نتجت ولدا إذا وضعته، وعليه حديث الحارث ((كنا إذا نتجت فرس أحدنا فلوا – أي مهرا)) الحديث.

و ((الجمعاء)) البهيمة التي لم يذهب من بدنها شيء، سميت بها لاجتماع سلامة أعضائها، لا جدع بها ولا كي. و ((هل تحسون فيها من جدعاء؟)) في موضع الحال على التقديرين، أي بهيمة سليمة مقولا في حقها هذا القول، وفيه نوع من التأكيد، بمعنى كل من نظر إليها قال هذا القول: لظهور سلامتها. و ((الجدعاء)) البهيمة التي قطعت أذنها، من جدع إذا قطع الأذن والأنف. وتخصيص ذكر الجدع إيماء إلى أن تصميمهم على الكفر إنما كان بسبب صممهم عن الحق، وأنه كان خليقا فيهم.

((ثم يقول)) والظاهر ثم قرأ، فعدل إلى القول وأتى بالمضارع على حكاية الحال الماضية؛ استحضارا له في ذهن السامع، كأنه يسمع منه عليه الصلاة والسلام، إلا أن قوله: ((لا تبديل)) لا يجوز أن يكون إخبارا محضا، لحصول التبديل، بل يؤول بأن يقال: من شأنه أن لا يبدل، أو يقال: إن الخبر بمعنى النهي، قال حماد بن سلمة في معنى الحديث: هذا عندنا حيث أخذ الله عز وجل عليهم العهد في أصلاب آبائهم فقال: ((ألست بربكم قالوا بلى)).

<<  <  ج: ص:  >  >>