للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

((مظ)): معنى قول حماد في هذا حسن، فكأنه ذهب إلى أنه لا عبرة بالإيمان الفطري في أحكام الدنيا، وإنما يعتبر الإيمان الشرعي المكتسب بالإرادة والفعل، إلا أنه يقول: ((فأبواه يهودانه)) في حكم الدنيا، فهو مع وجود الإيمان الفطري فيه محكوم له بحكم أبويه الكافرين. أقول – والعلم عند الله -: ويؤيد هذا وجوه.

أحدها: أن التعريف في قوله عليه الصلاة والسلام: ((يولد على الفطرة)) إشارة إلى معهود، وهو قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} لأن معنى المأمور به بقوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ} أثبت على العهد القديم، المعني به في قوله تعالى: {وإذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}.

وثانيها: ما جاء في طرق هذا الرواية ((ما من مولود إلا وهو على الملة)) وكذا أورد الترمذي هذا الحديث في كتابه بغير لفظة الفطرة ولفظه ((كل مولود يولد على الملة)) لأن الدين في قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} هو عين الملة؛ لقوله تعالى: {دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} وقوله عليه الصلاة والسلام حكاية عن الله: ((إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وأنهم أتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم)) الحديث، أخرجه مسلم عن عياض المحاسبي.

وثالثها: التشبيه بالمحسوس المعاين؛ ليفين أن ظهوره بلغ في الكشف والبيان مبلغ هذا المحسوس المشاهد، ثم قيده بقوله: ((هل تحسون)) تقريرا لذلك، كما سبق، تلخيضه أن العالم إما عالم الغيب، وإما عالم الشهادة، فإذا نزل الحديث في عالم الغيب أشكل معناه، وإذا صرف إلى عالم الشهادة الذي عليه مبنى ظاهر الشرع سهل تعاطيه، كما قال الخطابي.

وتحريره: أن الناظر إذا نظر إلى المولود نفسه من غير اعتبار عالم الغيب، وأنه ولد على الخلقة التي خلق الله تعالى الناس عليها من الاستعداد للمعرفة وقبول الحق، والتأبي عن الباطل، والتمييز بين الخطأ والصواب – حكم بأنه لو ترك على ما هو عليه، ولم يعتوره من الخارج ما يصده عن النظر الصحيح، من فساد التربية، وتقليد الأبوين، والإلف بالمحسوسات، والانهماك في الشهوات، ونحو ذلك – استمر على ما كان عليه من الفطرة السليمة، ولم يختر عليه شيئا، ولم يلتفت إلى جنبه سواها، لكن يصده عن ذلك أمثال هذه العوائق. فإن قلت: أمر الغلام الذي قتله الخضر ينقض عليك هذا البناء؛ لأنه لم يلحق بأبويه، بل خيف إلحاقهما به لقوله تعالى: {فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وكُفْرًا} ولقوله عليه الصلاة والسلام في حديث

<<  <  ج: ص:  >  >>