٩١ - وعن أبي موسى، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال:
ــ
موسى والخضر – عليهما السلام -: ((الغلام الذي قتله الخضر طبع بوم طبع كافرا)) وهذا الحديث مخرج في الصحيح. قلت: لا ينقضه، بل يرفعه ويشيد بنيانه؛ لأن الخضر – عليه السلام – نظر إلى عالم الغيب، وقتل الغلام، وموسى – عليه السلام – اعتبر عالم الشهادة وظاهر الشرع فأنكر عليه؛ ولذلك لما اعتذر الخضر – عليه السلام – بالعلم الخفي الغائب أمسك موسى عليه السلام.
واعلم أن الشيخ التوربشتي ذكر في الحديث وجوها، اختارها من وجوه كثيرة استنبطها العلماء، ونحن اخترنا منها هذا الوجه؛ لكونه أظهر وإلى التحقيق أقرب، و {الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا ومَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}.
الحديث الثالث عشر عن أبي موسى: قوله: ((قام فينا)) فيه ثلاثة أوجه من الإعراب، أحدها: أن يكون ((فينا، وبخمس)) حالين مترادفين، أو متداخلتين، وذلك أن يكون الثاني حالا من الضمير المستتر في الحال الأولى، أي قام خطيبا فينا مذكرا بخمس كلمات.
وثانيها: أن يكون ((فينا)) متعلقا بـ ((قام)) بأن يضمن معنى ((خطب)) والثاني حالا أي خطب فينا قائما مذكرا بخمس، و ((قام)) في الوجهين بمعنى القيام، على ما ورد في حديث أوس بن حذيقة الثقفي رضي الله عنه ((كان النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف إلينا بعد العشاء، فيحدثنا قائما على رجليه، حتى يراوح بين قدميه من طول القيام)).
وثالثها: أن تعلق ((بخمس)) بـ ((قام)) ويكون ((فينا)) بيانا، كأنه لما قيل: قام بخمس، فقيل: في حق من؟ أجيب: في حقنا وجهتنا، كقوله تعالى:{والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا}.
((الكشاف)) في قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ}. قيل مع من؟ قيل: معه، وكذلك قدر في قوله سبحانه:{لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}. فعلى هذا ((قام)) بمعنى قام بالأمر أي تشمر وتجلد له، فالمعنى: أنه قام بحفظ تلك الكلمات فينا؛ لأن القيام بالشيء هو المراعاة والحفظ له، قال الله تعالى:{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} وقال الله سبحانه وتعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}. الشارحون:((بخمس كلمات)) أي بخمس فصول.