((إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)) رواه مسلم [٩١].
ــ
((تو)): وهم يطلقون الكلمة، ويعنون الجملة المركبة المفيدة؛ ولهذا يسمون القصيدة كلمة، وإحدى الكلمات منها ((إن الله لا ينام)) والثانية ((لا ينبغي له أن ينام)) والثالثة ((يخفض القسط ويرفعه)) والرابعة ((يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل)) والخامسة ((حجابة النور)). ((شف)): لما كانت الكلمة الأولى تدل بظاهرها على عدم صدور النوم عنه تعالى أكدها بذكر الكلمة الثانية الدالة على نفي جواز صدور النوم عنه، فقال:(ولا ينبغي له أن ينام) ولا يلزم من عدم الصدور عنه عدم جواز الصدور.
قوله صلى الله عليه وسلم:((يخفض القسط)) ((تو)): فسر بعضهم ((القسط)) في هذا الحديث بالرزق أي يقتره ويوسعه، وإنما عبر عن الرزق بالقسط؛ لأنه قسط كل مخلوق؛ وفسره بعضهم بالميزان، ويسمى الميزان قسطا لما يقع به من المعدلة في القسمة، وهذا أولى القولين بالتقدم، لما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه ((يرفع الميزان وبخفضه)) ويجوز أن يكون المراد من رفع الميزان ما يوزن من أرزاق العباد النازلة من عنده، وأعمالهم المرتفعة إليه.
ويحتمل أنه أشار إلى أن الله {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} وأنه يحكم في خلقه بميزان العدل، وبين المعنى بما شوهد من وزن الوزان الذي يزن فيخفض يده ويرفعها، وهذا التأويل يناسب الفصل الثاني أعني قوله:((ولا ينبغي له أن ينام)) أي كيف يجوز عليه ذلك، وهو الذي يتصرف أبدا في ملكه بميزان العدل؟.
قوله صلى الله عليه وسلم ((يرفع إليه)) ((قض)): أي إلى خزانته، كما يقال: حمل المال إلى الملك فيضبط إلى يوم الجزاء، ويعرض عليه – وإن كان هو أعلم به – ليأمر ملائكته إمضاء ما قضى لفاعله جزاء له على فعله. ((قبل عمل النهار)) قبل أن يؤتى بعمل النهار، وهو بيان لمسارعة الكرام الكتبة إلى رفع الأعمال، وسرعة عروجهم إلى ما فوق السموات، وعرضهم على الله تعالى، فإن الفاصل بين الليل والنهار آن لا يجزي، وهو آخر الليل وأول النهار، وقيل: قبل أن يرفع إليه عمل النهار، والأول أبلغ، وهو اختصار كلام التوربشتي.
((شف)): الثاني أبلغ؛ لأنه في بيان عظم شأن الله، وقوة عباده المكرمين، وحسن قيامهم بما أمروا؛ ولأن لفظ العمل مصدر فكأنه قال: يرفع إليه عمل الليل، أي المعمول في الليل قبل عمل النهار، فلا حاجة إلى تقدير لفظة الشروع، كاحتياجه إلى تقدير الرفع في المعنى الأول.