للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢٣٢٩ - وعن أبي موسى ((رضي الله عنه)قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)).رواه مسلم

ــ

يكن ليجعل العباد شأنا واحدا كالملائكة مجبولين علي التنزه من الذنوب، بل يخلق فيهم من يكون بطبعه ميالا إلي الهوى، متفتنا بما يقتضيه، ثم يكلفه التوقي عنه، ويحذره من مداناته، ويعرفه التوبة بعد الابتلاء، فإن وفي فأجره علي الله، وإن أخطأ الطريق فالتوبة بين يديه، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم إنكم لو كنتم مجبولين علي ما جبلت عليه الملائكة، لجاء الله بقوم يتأتى منهم الذنب، فيتحلي عليهم بتلك الصفات علي مقتضى الحكمة، فإن الغفار يستدعي مغفورا، كما أن الرزاق يستدعي مرزوقا.

أقول: تصدير الحديث بالقسم رد لمن ينكر صدور الذنب عن العباد، ويعده نقصا فيهم مطلقا، وأن الله تعالي لم يرد من العباد صدوره، كالمعتزلة ومن سلك مسلكهم، فنظروا إلي ظاهره، وأنه مفسدة صرفة، ولم يقفوا علي سره أنه مستجلب للتوبة والاستغفار الذي هو موقع محبة الله،} إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين {و ((‘ن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار))،و ((الله أشد فرحا بتوبة عبده)) الحديث.

ولعل السر في إظهار صفة الكرم، والحلم، والغفران، ولو لم يوجد لنثلم طرف من صفات الألوهية، والإنسان إنما هو خليفة الله في أرضه، يتجلي له بصفات الجلال، والإكرام، والقهر، واللطف، والملائكة لما نظروا إلي الجلال والقهر، قالوا:} أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء {والله تعالي حين نظر إلي صفة الإكرام واللطف قال:} إني أعلم ما لا تعلمون {.وإلي هذا الموضوع يلمح قوله صلى الله عليه وسلم: ((لذهب الله بكم)) ولم يكتف بقوله: ((لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون)) والله أعلم.

الحديث السابع عن أبي موسى: قوله: ((إن الله يبسط يده)) ((تو)) بسط اليد عبارة عن التوسع في الجود، والتنزه عن المنع عند اقتضاء الحكمة، ومنه الباسط. وفي الحديث تنبيه علي سعة رحمة الله، وكثرة تجاوزه عن الذنوب. ((مح)): ((بسط اليد)) عبارة عن قبول التوبة. قال المازري: وذلك أن العرب إذا رضي أحدهم شيء، بسط يده لقبوله، وإذا كرهه قبضها عنه. أقول: لعله تمثيل، شبه حالة إرادة الله تعالي التوبة من العبد، وأنها مما هو مطلوبه يجب أن ينالها. بحالة من ضاع ما هو تعيشه به، ولا غنى له عنه، فيفتقده وهو يمد يده إلي من وجد

<<  <  ج: ص:  >  >>