((كان في بني اسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا، ثم خرج يسأل، فأتى راهبا، فسأله، فقال: أله توبة؟ قال: لا فقتله؛ وجعل يسأل، فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا، فأدركه الموت فناء بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلي هذه تقربي، وإلي هذه أن تباعدي، فقال: قيسوا ما بينهما فوجد إلي هذه أقرب بشبر فغفر له)) متفق عليه.
٢٣٢٨ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا؛ لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيتستغفرون الله فيغفر لهم)) رواه مسلم.
ــ
توبته بعد هذه الجريمة العظيمة؟ في الحديث إشكال؛ لأنا إذا قلنا: لا، فقد خالفنا نصوصا، وإن قلنا: نعم، فقد خالفنا أيضا أصل الشرع، فإن حقوق بني آدم لا تسقط بالتوبة، بل توبتها أداؤها إلي مستحقيها، أو الاستحلال منها. فالجواب: أن الله تعالي إذا رضي منه، وقبل توبته، يرضي خصمه. قوله:((فأدركه الموت)) أي أمارته وسكراته، فالفاء عطف علي محذوف، أي قيل له: ائت قرية كذا، فقصدها وصار نحوها، وقرب من وسط الطريق فأدركه الموت.
قوله:((فناء)) ((نه)):أي نهض، ويحتمل أن يكون بمعنى ناء، أي بعد، يقال: ناء ونائ بمعنى. قوله:((فأوحى الله إلي هذه، أن تقربي)) ((أن)) مفسرة، لأن ((أوحي)) فيه معنى القول، و ((هذه)) إشارة إلي القرية التي توجه إليها، أي تقربي من الميت، وقوله:((هذه)) ثإنيا إشارة إلي القرية التي هاجر منها، وقيل: هي إشارة إلي الملائكة المتخاصمين. وفيه بعد؛ إذ لو أريد هذا، لقيل: أبعدا عنه وقيسا. ((مظ)): فيه تحريض للمذنبين علي التوبة، ومنع لهم عن اليأس من رحمة الله تعالي، إذ لا منجأ ولا ملجأ، ولا مجير للمذنبين سواه.
الحديث الثالث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((لو لم تذنبوا لذهب الله بكم)) ((تو)):لم يورد هذا الحديث مورد تسلية المنهمكين في الذنوب، وقلة اختفال منهم بمواقعة الذنوب، علي ما يتوهم الغرة، فإن الأنبياء صلوات الله عليهم إنما بعثوا ليردعوا الناس عن غشيان الذنوب؛ بل ورد مورد البيان لعفو الله عن المذنبين، وحسن التجاوز عنهم، ليعظموا الرغبة في التوبة والاستغفار.
والمعنى المراد من الحديث هو أن الله تعالي كما أحب أن يحسن إلي المحسن، أحب أن يتجاوز عن المسئ- وقد دل علي ذلك غير واحد من أسمائه الغفار، الحليم، التواب، العفو لم