٢٣٣٣ - وعن أبي هريرة ((رضي الله عنه))،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن عبدا أذنب ذنبا، فقال. رب! أذنبت فاغفره، فقال ربه: أعلم عبدي أن له رب يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي. ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبا، فقال رب! أذنبت ذنبا فاغفره فقال ((ربه)).أعلم عبدي أن له رب يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي. ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبا، فقال رب! أذنبت ذنبا آخر فاغفر لي. فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، فليفعل ما شاء)).متفق عليه.
ــ
أقول: هذا هو المذهب المحتاط، وقلما يزيغ عنه قدم الراسخ، ومن اشتغل بالتفسير والتأويل، فله طريقان، أحدهما أن التشبيه مركب عقلي من غير نظر إلي مفردات التركيب، بل تؤخذ الزبدة والخلاصة من المجموع، وهي غاية الرضا ونهايته، وإنما أبرز ذلك في صورة التشبيه تقريرا لمعنى الرضا في نفس السامع، وتصويرا لمعناه. وثإنيهما تمثيلي، وهو أن يتوهم للمشبه الحالات التي للمشبه به، وينتزع له منها ما يناسبه حاله بحيث لم يختل منها شيء، فإنك إذا أمعنت النظر في التمثيل السابق في حديث بسط اليد، حل لك هذا المعضل، وانكشف لك الحال.
الحديث الحادي عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((أعلم عبدي)) يجوز أن يكون استخبارا عن الملائكة وهو أعلم بهم، للمباهاة، وأن يكون استفهاما للتقرير والتعجيب، والتفاتا عدل من الخطاب، وقوله:((أعلم عبدي)) إلي الغيبة شكرا لصنيعه إلي غيره وإحمادا له علي فعله. قوله:((فليفعل ما شاء)) ((مح)):معناه اعمل ما شئت ما دمت تذنب، ثم تتوب فقد غفرت لك.
((فليفعل ما شاء)) كلام يستعمل تارة في معرض السخطة والنكير، وطورا في صورة اللطف والحفاوة، وليس المراد منه في كلتا الصورتين الحث علي الفعل أو الترخص فيه. وعلي السخطة والنكير ورد قوله تعالي:} اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير {، وعلي الحفاوة والتلطف ورد هذا الحديث، وذلك مثل قولك لمن توده وترى منه الجفاء: اصنع ما شئت، فلست بتارك لك، وقوله صلى الله عليه وسلم في حق حاطب بن أبي بلتعة:((لعل الله اطلع إلي أهل بدر فقال: ((اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)).قوله:((فقال)) خبر ((إن)) إذ كان اسمها نكرة موصوفة بفعل، فالفاء في ((فاغفره)) سببية، جعل اعترافه بالذنب سببا للمغفرة، حيث أوجب الله تعالي المغفرة للتائبين المعترفين بالسيئات علي سبيل الوعد.